Rules of Rulings in the Interests of People

Al-Izz Ibn Abd al-Salam d. 660 AH
11

Rules of Rulings in the Interests of People

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

Daabacaha

مكتبة الكليات الأزهرية

Goobta Daabacaadda

القاهرة

مَطْلُوبَاتِهِمْ. فَمِنْهُمْ الْأَعْلَوْنَ وَالْمُتَوَسِّطُونَ، فَأَمَّا طُلَّابُ الْآخِرَةِ فَاقْتَصَرُوا مِنْ طَلَبِ لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَأَفْرَاحِهَا عَلَى مَا يَدْفَعُ الْحَاجَةَ أَوْ الضَّرُورَةَ وَاشْتَغَلُوا بِمَطَالِبِ الْآخِرَةِ، وَلَنْ يَصِلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَّا إلَى مَا قُدِّرَ لَهُ، وَقَدْ غَرَّ بَعْضَهُمْ أَنَّهُمْ أَدْرَكُوا بَعْضَ مَا طَلَبُوا فَظَنُّوا أَنَّهُمْ نَالُوا ذَلِكَ بِحَزْمِهِمْ وَقُوَاهُمْ فَخَابُوا وَنَكَصُوا وَوُكِّلُوا إلَى أَنْفُسِهِمْ فَهَلَكُوا، وَمِنْهُمْ مَنْ وَاظَبَ أَنَّهُ لَا يَنَالُ خَيْرًا إلَّا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَلَا يَنَالُ ضَيْرًا إلَّا بِإِرَادَةِ اللَّهِ فَهَؤُلَاءِ لَا يَزَالُونَ فِي زِيَادَةٍ، لِأَنَّ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَارِفَ وَالْأَحْوَالَ إذَا دَامَتْ أَدَّتْ إلَى أَمْثَالِهَا وَإِلَى أَفْضَلَ مِنْهَا. وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَمَنْ أَقْبَلَ عَلَى اللَّهِ أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ اللَّهِ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ شِبْرًا تَقَرَّبَ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنْهُ ذِرَاعًا تَقَرَّبَ مِنْهُ بَاعًا، وَمَنْ مَشَى إلَيْهِ هَرْوَلَ إلَيْهِ وَمَنْ نَسَبَ شَيْئًا إلَى نَفْسِهِ فَقَدْ زَلَّ وَضَلَّ، وَمَنْ نَسَبَ الْأَشْيَاءَ إلَى خَالِقِهَا الْمُنْعِمِ بِهَا كَانَ فِي الزِّيَادَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: ٧]، ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٥] . وَأَفْضَلُ مَا تُقُرِّبَ بِهِ التَّذَلُّلُ لِعِزَّةِ اللَّهِ وَالتَّخَضُّعُ لِعَظَمَتِهِ وَالْإِيحَاشُ لِهَيْبَتِهِ، وَالتَّبَرِّي مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إلَّا بِهِ، وَهَذَا شَأْنُ الْعَارِفِينَ، وَمَا خَرَجَ عَنْهُ فَهُوَ طَرِيقُ الْجَاهِلِينَ أَوْ الْغَافِلِينَ، وَقَدْ تَمَّتْ الْحِكْمَةُ وَفُرِغَ مِنْ الْقِسْمَةِ، وَسَيَنْزِلُ كُلُّ أَحَدٍ فِي دَارِ قَرَارِهِ حُكْمًا وَعَدْلًا وَحَقًّا، قِسْطًا وَفَضْلًا، وَمَا ثَبَتَ فِي الْقِدَمِ لَا يُخْلِفُهُ الْعَدَمُ وَلَا تُغَيِّرُهُ الْهِمَمُ، بَعْدَ أَنْ جَرَى بِهِ الْقَلَمُ وَقَضَاهُ الْعَدْلُ الْحَكَمُ، فَأَيْنَ الْمَهْرَبُ وَإِلَى أَيْنَ الْمَذْهَبُ وَقَدْ عَزَّ الْمَطْلَبُ وَوَقَعَ مَا يُذْهِبُ، فَيَا خَيْبَةً مِنْ طَلَبِ مَا لَمْ تَجُزْ بِهِ الْأَقْدَارُ وَلَمْ تَكْتُبْهُ الْأَقْلَامُ، يَا لَهَا مِنْ مُصِيبَةٍ مَا أَعْظَمَهَا وَخَيْبَةٍ مَا أَفْحَمَهَا. أَيْنَ الْمَهْرَبُ مِنْ اللَّهِ وَأَيْنَ الذَّهَابُ عَنْ اللَّهِ وَأَيْنَ الْفِرَارُ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ؟ بَيِّنًا يُرَى أَحَدُهُمْ قَرِيبًا دَانِيًا إذْ أَصْبَحَ بَعِيدًا نَائِيًا، لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَلَا حِفْظًا وَلَا رَفْعًا

1 / 13