أف، ليته يستطيع أن يصارحها بمدى اشمئزازه منهم جميعا، هي وابنتها والبغل الكبير. - ياسين ابني على كل حال، وفقه الله إلى الهداية.
أمالت رأسها إلى الوراء قليلا ، وأبقته على وضعه مليا ريثما تستمتع بلذة النجاح والارتياح، ثم عادت تقول في نبرات لطيفة: ربنا يجبر خاطرك يا سيد أحمد، ساءلت نفسي وأنا قادمة إليك، ترى: أيكسفني ويردني خائبة، أم يعامل جارته القديمة بما تعود أن يعاملها به في الأيام الخالية؟ الحمد لله فأنت دائما عند حسن الظن بك، مد الله في عمرك ومتعك بالصحة والعافية.
تظن أنها ضحكت على ذقنه، يحق لها هذا، ما أنت إلا أب خائب مات خير أبنائه، وخاب الابن الثاني، وركب الثالث رأسه، كل هذا على رغمي يا قارحة. - إني عاجز عن شكرك.
وهي تخفض رأسها: مهما قلت فيك فهو دون ما تستحق، طالما أقررت لك به فيما مضى.
آه، ذلك الماضي أوصدي ذلك الباب! وحياة البغل الذي جئت تسجلين حق ملكيته، وبسط راحته على صدره آية على الشكر، فراحت تقول بلهجة حالمة: كيف لا، ألم أعزك إعزازا لم يحظ به إنسان قبلك ولا بعدك؟
هذا هو المطلوب، كيف لم يفطن إليه من أول لحظة؟ لم تجيئي من أجل ياسين ولا من أجل مريم، ولكن من أجلي أنا، بل من أجل نفسك! أنت أنت لم يغير الزمن منك شيئا، إلا شبابك، ولكن رويدك، هل تستطيعين أن تردي الأمس الذي ولى؟ مر بقولها دون تعليق مكتفيا بابتسامة شكر، فابتسمت ابتسامة عريضة كشفت عن أسنانها من ثقوب البرقع، وقالت فيما يشبه العتاب: يبدو أنك لا تذكر شيئا.
أراد أن يعتذر عن فتوره دون أن يمس إحساسها، فقال: لم يبق في الرأس عقل أتذكر به.
فهتفت بإشفاق: لشد ما أغرقت في الحزن، الحياة لا تحتمل هذا ولا تسيغه، وأنت - ولا تؤاخذني على ما سأقول - رجل ألف الحياة المليحة، فالحزن إذا أثر في الإنسان العادي قيراطا يؤثر فيك أربعة وعشرين قيراطا.
موعظة يراد بها منفعة الواعظ، ليت أن ياسين كان يعتصم بمثل شبعي، لماذا أتقزز منك؟ أنت دون شك أطوع من زنوبة وأقل نفقة بما لا يقاس، ولكن يبدو أن قلبي أصبح مولعا بالمتاعب، قال بدهاء ومسكنة معا : من أين للقلب المحزون أن يضحك؟
اندفعت تقول بحماس وكأنها شامت برق أمل: اضحك يضحك قلبك، لا تنتظر حتى يضحك هو، هيهات أن يضحك وحده بعد ما عانى من طول الوجوم، عد إلى حياتك القديمة تعد إليك بهجتها الغافية، ابحث عن مسرات زمانك الأول وأحبابه، من أدراك أن ليس ثمة قلوب تهفو إليك، وتقيم على عهدك رغم إعراضك الطويل عنها؟
Bog aan la aqoon