207

Qasarka Damaca

قصر الشوق

Noocyada

فصفر ياسين وهو يرعش حاجبيه: أليس من الظلم أن يتمتع أبونا بالدسم، على حين لا نجد نحن إلا الفتات؟ - انتظر حظك، ما زلت في أول الطريق. - ألم يتغير سلوكك معه بعد وقوفك على سره؟ - إلا هذا!

لاحت نظرة حالمة في عيني كمال وهو يقول: ليته أعطانا من لطفه نصيبا! - ليته ... - ما كان أمرنا ليفسد أكثر مما فسد! - حب النساء والخمر ليس من الفساد في شيء. - وكيف تفسر سلوكه على ضوء إيمانه العميق؟ - وهل أنا كافر؟ وهل أنت كافر؟ وهل كان الخلفاء كفرة؟ الله غفور رحيم!

ما عسى أن يكون جواب أبي؟ شد ما أتوق إلى مناقشته، كل شيء محتمل إلا أن يكون منافقا، كلا ليس هو بالمنافق، وما أزداد له إلا حبا! وغمرته الجرعة الأخيرة رغبة في الدعابة، فقال: من المؤسف أنه لم يتعلم فن التمثيل.

فضحك ياسين ضحكة عالية، وقال: لو علم بما يتهيأ للممثل من حياة حافلة بالنساء والخمر لكرس حياته للفن.

أهذا الكلام الهازئ عن السيد أحمد عبد الجواد حقا! ولكن هل يكون هو أجل من آدم؟ ومع ذلك فالمصادفة وحدها هي التي عرفتك بحقيقة الرجل، والمصادفة هي التي لعبت في حياتك أخطر الأدوار، لو لم أصادف ياسين في الدرب لما انقشعت عن عيني غشاوة الجهل، لو لم يجذبني ياسين على جهله إلى القراءة لكنت اليوم في مدرسة الطب كما تمنى أبي، ولو التحقت بالسعيدية ما عرفت عايدة، ولو لم أعرف عايدة لكنت إنسانا غير الإنسان، ولكان الكون غير الكون، ثم يحلو للبعض أن يعيب على دارون اعتماده على المصادفة في تفسير آلية مذهبه. قال ياسين مستعيرا لهجة الحكيم: سوف تعلمك الأيام ما لم تعلم.

ثم وهو يسخر من نفسه: ها هي تعلمني أن أقضي لذاتي مبكرا حتى لا أثير شكوك زوجتي.

وهز رأسه وهو ينظر إلى عيني كمال المتسائلتين الباسمتين، ثم استطرد: إنها أقوى زوجاتي الثلاث، ويخيل إلي أنني لن أتخلص منها!

فسأله كمال باهتمام وهو يشير ناحية الدرب: ما الذي جاء بك إلى هذا وأنت متزوج للمرة الثالثة؟

فردد ياسين الجملة المشهورة من الأغنية التي سمعها كمال أول ما سمعها في دخلة عائشة: علشان كدة ... علشان كدة ... علشان كدة.

ثم قال مبتسما في شيء من الارتباك: قالت لي زنوبة مرة: «أنت لم تتزوج قط، كنت تعتبر الزواج نوعا من العشق، وقد آن لك أن تنظر إليه بعين الجد.» أليس غريبا أن يصدر هذا القول عن عوادة؟ ولكنها فيما يبدو أحرص على الحياة الزوجية من سابقتيها، وهي مصممة على أن تبقى زوجة لي حتى تغمض عيني، لكنني لا أستطيع أن أقاوم النسوان، سرعان ما أحبهن، وسرعان ما أملهن؛ لذلك عمدت إلى هذه الدروب لأقضي اللبانة مبكرا دون التورط في عشق طويل. ولولا الملل ما سعيت إلى امرأة في درب طياب!

Bog aan la aqoon