137

Qasarka Damaca

قصر الشوق

Noocyada

انقطعت عن الحديث لسعال غلبها، وراحت تسعل حتى انتفخت أوداجها، وخديجة تلحظها وهي تدعو الله في سرها أن يأخذها قبل أن تتم حديثها، ولكن السعال سكت فازدردت ريقها وتشهدت، ثم رفعت إلى السيد عينين دامعتين، وسألته بصوت لم يخل من بح: أتستنكف أنت يا سيد أحمد أن تقول لي يا أمي؟

فقال الرجل الذي تظاهر بالعبوس رغم ابتسام إبراهيم وخليل: معاذ الله يا أمي! - عوفيت يا سيد أحمد، لكن ابنتك تستنكف من هذا، تدعوني «تيزة» أقول لها مرارا: ادعيني «نينة»، فتقول لي: «وماذا أدعو التي في بين القصرين؟» أقول لها أنا نينة، وأمك نينة، فتقول لي: «ليس لي إلا نينة واحدة ربنا يخليها لي!» انظر يا سي السيد، أنا التي تلقيتها بيدي من عالم الغيب.

ألقى السيد أحمد على خديجة نظرة غاضبة، وسألها محتدا: صحيح هذا يا خديجة؟ يجب أن تتكلمي!

كانت خديجة كأنها فقدت القدرة على النطق، كانت من الغيظ في نهاية، وكانت من الخوف في نهاية، وإلى هذا كله كانت يائسة من نتيجة المناقشة؛ فحدتها غرائز الدفاع عن النفس على التذرع بكافة ضروب الضراعة والمسكنة، قالت بصوت خافت: أنا مظلومة، كل واحد هنا يعلم بأني مظلومة، مظلومة والله يا بابا.

كان السيد أحمد في دهش مما يسمع، ومع أنه فطن من أول الأمر إلى حال «الكبر» التي تسيطر على المرأة، ومع أنه لم يغب عن ملاحظته ما يكتنف الجو من فكاهة بدت آثارها في وجهي إبراهيم وخليل، فإنه صمم على التظاهر بالجد والصرامة إرضاء للعجوز وإرهابا لخديجة. وكان يعجب لما يتكشف له من عناد خديجة وحدة طباعها، الأمر الذي لم يخطر له في خيال من قبل، أكانت على هذا الخلق مذ كانت في بيته؟ أتعلم أمينة من أمرها ما لا يعلم؟ هل يكتشف على آخر الزمن صورة جديدة لابنته مناقضة للصورة التي كونها كما سبق أن اكتشف لياسين؟ - أريد أن أعرف الحقيقة؟ أريد أن أعرف حقيقتك، إن التي تتحدث عنها والدتنا امرأة أخرى غير التي عهدتها، فأيتهما تكون الصادقة؟

ضمت المرأة أناملها وهزت يدها داعية إياه إلى الصبر حتى تتم حديثها، ثم استطردت قائلة: قلت لها: إني تلقيتك بيدي من عالم الغيب. فقالت لي بلهجة شريرة لم أسمع بمثلها من قبل: «إذن أكون نجوت من الموت بأعجوبة!»

ضحك إبراهيم وخليل، وخفضت عائشة رأسها لتخفي ابتسامتها، فقالت العجوز مخاطبة ابنيها: «اضحكا، اضحكا، اضحكا من أمكما!» ولكن السيد تجهم وإن يكن باطنه ضحك، ترى أخلقت بناته على مثاله أيضا؟ أليس هذا مما يستحق أن يروى على إبراهيم الفار، وعلي عبد الرحيم، ومحمد عفت؟ قال لخديجة بغلظة: كلا ... كلا، لأعرفن كيف أحاسبك على هذا حسابا عسيرا.

فواصلت العجوز حديثها بارتياح قائلة: أما سبب شجار الأمس، فهو أن إبراهيم دعا بعض أصدقائه إلى وليمة، فقدمت لهم الشركسية فيما قدم من أطعمة، وفي المساء سهر عندي إبراهيم وخليل وعائشة وخديجة، وجاء ذكر الوليمة فنوه إبراهيم بثناء المدعوين على الشركسية، فانبسطت ست خديجة. ولكنها لم تقنع بذلك، بل راحت تؤكد أن الشركسية هي الصنف المأثور عن بيتها الأول، فقلت بحسن نية: إن زينب زوجة ياسين الأولى هي التي أدخلت الشركسية في بيتكم، وأن خديجة لا بد وأن تكون تعلمتها منها. أقسم لك أني ما تكلمت إلا عن حسن نية، وأني ما قصدت أحدا بسوء، ولكن أجارك الله يا حبيب، انتفضت غاضبة وصاحت في وجهي: «هل تعرفين عن بيتنا أكثر مما نعرف؟» فقلت لها: إني أعرف بيتكم من قبل أن تعرفيه أنت بعمر مديد، فصرخت قائلة: «أنت لا تحبين لنا الخير، ولا تطيقين أن ينسب لنا شيء حميد ولو كان طهي الشركسية، الشركسية تؤكل في بيتنا قبل أن تولد زينب، وعيب أن تكذب واحدة في مثل سنك!» أي والله هذا يا سي السيد ما قذفتني به أمام الجميع، فأيتنا الكاذبة بربك وصلاتك؟

قال السيد غاضبا ساخطا: رمتك بالكذب في وجهك! يا رب السماوات والأرض، ما هذه ابنتي.

غير أن خليل قال لأمه باستياء: ألهذا جئت بوالدنا؟ أيصح أن نكدر خاطره، ونضيع وقته بسبب نزاع صبياني حول الشركسية؟ هذا كثير يا أماه!

Bog aan la aqoon