فقال إبراهيم في تهكم وهو يبتسم: لعلك تجدين هذا المنصف في شخص أبيك؟
فهتفت قائلة: أنت شامت بي، أنا أفهم كل شيء، ومع ذلك فربنا موجود.
فقال إبراهيم بصوت ممطوط يدل على التسليم والتحدي في آن: ربنا موجود.
وقال خليل بعطف: هدئي روعك حتى تلقي والدك بنفس مطمئنة.
من أين لها بالنفس المطمئنة؟ لقد انتقمت العجوز منها شر انتقام؟ وعما قليل تدعى إلى لقاء أبيها في موقف يفر منه قلبها ودمها. وهنا ترامى إليهم صياح عبد المنعم وأحمد من وراء باب حجرتهما، وأعقبه صوت أحمد وهو يبكي، فقامت على عجل رغم سمانتها واتجهت نحو الحجرة. فدفعت الباب ودخلت وهي تصيح بدورها: ما معنى هذا؟ ألم أنهكما عن الشجار ألف مرة؟ خصيمي المعتدي منكما .
قال إبراهيم بعد أن توارت وراء الباب: مسكينة كأن بينها وبين الراحة عداء مستحكما، منذ الصباح الباكر تبدأ بخوض معركة طويلة تستغرق النهار كله فلا تسكن حتى تأوي إلى الفراش، يجب أن يذعن كل شيء إلى إرادتها وتفكيرها، الخادم، الأكل، الشرب، الأثاث، الدجاج، عبد المنعم، أحمد، أنا، الكل يجب أن يذعن لتنظيمها، إني أشفق عليها، وأؤكد لكم أن بيتنا يمكن أن ينعم بأحسن حال من النظام والدقة دون حاجة إلى هذه الوسوسة.
فقال خليل باسما: ربنا يعينها. - ويعينني معها.
قال إبراهيم ذلك وهو يهز رأسه باسما أيضا، ثم أخرج من جيب معطفه الأسود علبة سجائره، ونهض متجها إلى أخيه فقدمها له فتناول خليل سيجارة، ودعا عائشة لتتناول واحدة ولكنها رفضت ضاحكة، وأومأت إلى الباب الذي توارت وراءه خديجة، وهي تقول: خل الساعة تمر بسلام.
فعاد إبراهيم إلى مجلسه وهو يشعل سيجارة، ويقول مشيرا إلى الباب نفسه: محكمة، في الداخل الآن محكمة، ولكنها ستعامل هذين المتهمين بالرحمة ولو على رغمها.
عادت خديجة وهي تقول متأففة: كيف يمكن أن أذوق طعم الراحة في هذا البيت؟! كيف ومتى؟
Bog aan la aqoon