تساءل حسين فجأة كأنما قد تذكر بتداعي المعاني أمرا هاما: كدت أنسى، لقد استقال زعيمك.
فابتسم كمال ابتسامة حزينة ولم يجب، فقال الآخر بقصد إغاظته: استقال بعد أن ضيع السودان والدستور، هه؟
قال كمال بهدوء لم يكن ينتظر منه في غير هذه الظروف: كان قتل سير لي ستاك باشا ضربة موجهة إلى وزارة سعد. - دعني أكرر على سمعك ما قاله حسن سليم، قال: إن هذا الاعتداء مظهر للكراهية التي يضمرها البعض - ومنهم القتلة - للإنجليز، وسعد زغلول هو المسئول الأول عن تهييج هذه الكراهية.
كظم كمال الغيظ الذي أثاره «رأي» حسن سليم في نفسه، وقال بالهدوء الواجب في حضرة المعبودة: هذا هو رأي الإنجليز، ألم تقرأ برقيات الأهرام؟ فليس عجيبا أن يردده الأحرار الدستوريون، إن من مفاخر سعد أن يثير العداوة ضد الإنجليز.
تدخلت عايدة متسائلة، وفي عينيها نظرة عتاب أو تحذير مازجتها ابتسامة جذابة: رحلة أم سياسة؟
فأشار كمال إلى حسين، وهو يقول معتذرا: إليك المسئول عن فتح هذا الموضوع.
فقال حسين ضاحكا، وهو يتخلل شعره الحريري الأسود بأصابعه الرشيقة: رأيت أن أقدم تعزيتي في استقالة الزعيم، هذا كل ما هنالك.
ثم متسائلا بلهجة جدية: ألم تشترك في المظاهرات الخطيرة التي كانت تقوم في حيكم على عهد الثورة؟ - كنت دون السن القانونية.
فقال حسين بلهجة لم تخل من سخرية لطيفة: على أي حال تعد واقعة دكان البسبوسة اشتراكا في الثورة.
وضحكوا جميعا، حتى بدور اشتركت في الضحك محاكاة لهم، فصدر عنهم أوركسترا رباعي مكون من بوقين وكمان وصفارة، وبعد هنيهة صمت، قالت عايدة كأنما لتدافع عنه: كفاية أنه فقد أخاه!
Bog aan la aqoon