86

فإذا قيل: إن قضية «تحرير المرأة» قضية حق في نشأتها، فذلك صدق لا جدال فيه، ولكنها توضع موضع الغلط حين يقال: إنها قضية خصومة بينها وبين الرجل، وإن الفصل فيها إنما هو انتصار طالب على مطلوب، أو صلح بين ضدين يكسب أحدهما بمقدار ما يخسر غريمه في هذه المقاضاة.

إنما توضع قضية المرأة في موضعها الصحيح يوم يقضى فيها على أنها علاقة بين شريكين يتوزع بينهما العمل على حسب اختلاف الوظيفة والاستعداد، وكلاهما خاسر مغبون إذا أخل بحق شريكه ونازعه في عمله وكفايته، وكلاهما رابح إذا عرف أين يعطي، وأين يأخذ من قسمة الخلق بين الجنسين.

ليس في الطبيعة ظاهرة محسوسة يتجلى فيها توزيع العمل، وتتمثل فيها هذه الشركة كما نراها في المقابلة بين وظائف الجنسين، فكل مخلوق إنساني إنما هو شاهد في تكوينه على هذه الوظائف المتقابلة في تركيب بنية الذكر وبينة الأنثى، ومن ضحالة الفهم أن يسبق إلى الظن أن هذا التقابل في تركيب الجنسين ينتهي عند أعضاء الجسد، ولا يستدعي معه تقابلا في استعداد العاطفة والفكر والبديهة الخفية التي نحسها أحيانا، وتحتجب عن الحس أحيانا أخرى، لعلها أعمق وأقوى مما ندركه نحن - رجالا ونساء - من هذه المحسوسات.

والمسألة - بعد - ينبغي أن تخرج من أفق التنازع على الحقوق والكفايات إلى أفقها الذي تدور فيه إلى مستقرها، كيفما كان القرار.

ومن الغلو في الأمل أن نترقب حلها في البقية الباقية من القرن العشرين، ولكننا نتحدث عن أمل قريب - إن لم لكن أملا محققا فيما نراه اليوم - إذا رجونا أن توضع قضية المرأة موضعها الصحيح بعد جيل أو جيلين، فينقضي الدور الذي بدأ بالخصومة بين المرأة والرجل، ويتبعه دور يعملان فيه عمل الشريكين اللذين يتقاسمان الواجب كما يتقاسمان الحق، ويحذران الخسارة؛ لأنها خسارة في الحصتين. •••

ولا شك أن حالة الأسرة أدل من حالة الطبقة على نصيب المجتمع من السلامة والاستقامة؛ إذ كنا نطلع من حالة الطبقة على أوضاع اجتماعية واقتصادية قلما نتخطاها إلى ما وراءها إلا على سبيل الاستطراد ، في حين أننا نستلهم من حالة الأسرة حكمة الطبيعة في تقسيم الجنسين ونهتدي منها إلى أخلاق الفرد والجماعة، ونستشف منها بداهة النوع في احتياله للمحافظة على بقائه ونموه، ولا يفوتنا حين نطلع على تكوين الأسرة أن نلم بأحوال المجتمع في علاقاته الاقتصادية والسياسية.

ونحن نستلهم حكمة الطبيعة فنعلم أن المجتمع يبتعد من السلامة والاستقامة كلما ابتعد بالمرأة عن الأسرة، ونحى بينها وبين وظيفة الأمومة وتربية الجيل المقبل، وتدبير البيت لتسكن إليه وتسكن إليه الأسرة موئلا للعطف والراحة من تكاليف السعي والمعيشة.

وليس مدار البحث هنا أن نعلم مدى الحقوق السياسية التي تنالها المرأة في أمتها، ولا عدد الوظائف التي تشغلها والدراسات العلمية التي تتلقاها ومراكز الأعمال العامة التي تتولاها؛ فإننا لا نواجه خطرا مقبلا إذا استغنت المرأة عن هذه الأعمال، ولا يئود المجتمع أن يولي الرجل كل ما تتخلى عنه المرأة يوم تكتفي بوظيفة الأم، وسياسة الأسرة في الحياة البيتية.

ولكننا نواجه الخطر المحقق إذا تخلت المرأة عن حياة الأسرة ولوازمها، ونبتعد عن حكمة الطبيعة، فنفهم أن المرأة والرجل كليهما يعملان في مجتمع بعيد من السلامة والاستقامة، وينبغي أن نتوخى في الإصلاح الاجتماعي رد المجتمع إليهما، وتثبيط الدوافع التي تحفز الناس - نساء ورجالا - إلى الشطط عن سواء الطبع في توزيع الأعمال بين الجنسين.

ومن اللجاجة أن تنقلب هذه المسألة الحيوية إلى منازعة على كفاءة الجنسين في شئون العلم والعمل، فالأمر الذي لا منازعة فيه أن المرأة خلقت للأمومة، وصلحت لتربية عواطف الأسرة، فلا يحسن بالمجتمع أن يضطرها إلى التخلي عن مكانها في الأسرة، وأن يلجئها إلى التضحية بالبيت سعيا إلى الرزق، أو اشتغالا بأعمال يغني فيها الرجل عنها.

Bog aan la aqoon