وفجأة تلاشى الجحيم فيما يشبه المعجزة. تلاشي فجأة وبلا تدرج، هبطت اليقظة من مملكتها الحرة بالسماء .. يقظة مضيئة مفعمة بالعذوبة والسلام والطمأنينة، مرحة، مريحة، سعيدة تنضح بالمودة والهناء. مددت بصري نحو النافذة، فرأيت الأفق يزدهر بحديقة الشمس المشرقة.
اليمامة
ألعب تحت شجرة البلح عند الأصيل. مغروسة في موضعها من قبل أن يشيد بيتنا بزمن طويل. عندما تهب الريح يلاطم غصن من أغصانها مشربيتنا. وتطل أمي علي من حين لآخر كيلا أبتعد عن الميدان. لما أكون وحيدا أغني أو ألاعب نفسي السيجة. ذات يوم تهبط علي غمغمة ممطوطة منغومة فيهتز لها قلبي. اليمامة تبعث لحنا، أعرف شدوها، وأحبها حبا جما. أرفع رأسي المغطى بطاقية مزركشة فأراها مستقرة ناعمة البال عند أصل غصن. لها لون الدوم، وفي وداعة النسمة، ووحيدة مثلي، ولكنها لاهية عن حبي. أترنم في شغفي:
يمامة حلوة
ومنين أجيبها
طارت يا نينة
عند صاحبها
إنها من أغاني المفضلة. ترى أأحب اليمامة لافتتاني بالأغنية أم أحب الأغنية إكراما لليمامة؟ أقول لها بتوسل: اهبطي .. لا تخافي .. عندي الأمان كل الأمان .. عندما أذهب إلى الكتاب أودعك سريري الصغير.
يبدو أنها لا تعرف لغتي. سارحة في دنياها الخضراء، ولسبب ما تطير بغتة فتقطع نصف الميدان، ثم تحط على سور الزاوية الصغيرة على كثب من قبة الضريح. أندفع جاريا تحتها بجلبابي المقلم، وصندلي العتيق غير منتبه لما تحت قدمي. لا فكرة لدي عن صيد اليمام، ولا يحركني إلا الحب. أقف أسفل سور الزاوية على قيد أشبار من المدخل. أبتغي الوسيلة إلى بلوغ المرام بتلاوة الفاتحة. لكن من المؤكد أنها لا تأبه لي، أو أن الحذر خالط هواجسها. لا تريد أن تمكث فوق السور حتى أسترد أنفاسي فتطير مرة أخرى. أجري تحتها وأصوات خشنة تهتف بي «يا ولد .. فتح عينك».
وتحط اليمامة على حافة شرفة مدرسة خان جعفر. أقف تحت شرفة المدرسة، بصري متعلق بها، وأنسى تماما تعليمات أمي المشددة. وأتساءل: ماذا يخيفك مني؟
Bog aan la aqoon