Ingiriiska iyo Kanaalka Suez: 1854–1951
إنجلترا وقناة السويس: ١٨٥٤–١٩٥١م
Noocyada
وبعد انتهاء الحرب وجدت الحكومة المصرية أن المعاهدة استنفذت أغراضها، وأنها أصبحت حجر عثرة في سبيل السلام العالمي، فميثاق الأمم المتحدة فيه ضمان لحقوق الشعوب المحبة للسلام، وإن وجود القوات البريطانية في منطقة القناة أصبح لا مبرر له، فمصر هي التي دافعت عن القناة من الناحية الجوية إبان حرب سنة 1939، وكذلك أخذ الجيش المصري في النمو والقوة والتسلح، وقطع في سبيل ذلك شوطا بعيدا، وإن وجود قوات أجنبية في بلاد دولة صديقة بغير رضاها أصبح لا يتفق أبدا والمواثيق التي أعلنها الحلفاء في أكثر من موقف.
لقد اعترفت الحكومة البريطانية نفسها بضرورة تحديد العلاقات بين الدولتين من جديد وفقا للظروف العالمية التي جدت بعد الحرب، وخاصة بعد أن اعترفت الحكومة البريطانية نفسها بأن مصر أبلت في هذه الحرب ضد أعداء إنجلترا بلاء حسنا، إذ تعرضت أراضيها للغزو ووضعت جميع مرافقها ومواصلاتها وموانيها لخدمة الحلفاء.
قبلت الحكومة البريطانية بالفعل مبدأ الجلاء عن مصر وقناة السويس، على أساس وضع العلاقات بين البلدين على أساس مطمئن للجانبين في وقت السلم وحين نشوب الحرب أو التهديد بها، وظهرت فكرة الدفاع المشترك.
وفي مشروع صدقي باشا ومستر أرنست بيفن وافقت بريطانيا على أن يتم الجلاء عن القاهرة والإسكندرية في سنة 1947، وعن قناة السويس في سنة 1949، ولقد قسمت الحكومة البريطانية مشروع الاتفاق إلى أجزاء: الجزء الأول خاص بمعاهدة جديدة، والثاني خاص بالجلاء، والثالث بالسودان، ونبه مستر بيفن إلى أنه يصح التصديق على الجزأين الأولين في حالة حدوث خلاف على الجزء الثالث، وعندئذ يترك هذا الجزء للوصول إلى تسوية له فيما بعد عن طريق المفاوضات أيضا، ولكن العقبة الكأداء في نجاح المشروع لم تكن مسألة السودان فحسب ، بل أيضا مسألة الدفاع المشترك أو التعاون المتبادل.
لقد وجدت مصر في ذلك الدفاع المشترك بالشكل الذي رسمته بريطانيا ارتباطا لا تجني منه مصر سوى الغرم، ويقيدها بقيود تضيق من حريتها، لقد بنت مصر آمالا كبيرة على وزارة العمال، وظنت أن بلاءها في الحرب العالمية الماضية، وما تفوه به ساسة إنجلترا وزعماؤها إبان الحرب من ضرورة احترام حقوق الشعوب في الحياة والكرامة والاستقلال، وما نعوه على الألمان من احتلال لبلاد الشعوب التي لا تدانيهم في القوة، كل هذا أوجد عند كثير من المصريين بعض الأمل في انتهاء عهد القوة والإرهاب والتهديد، وبزوغ فجر عهد جديد فيه تحترم حقوق الشعوب ومطالبها العادلة، وخاصة بعد إنشاء نظام هيئة الأمم المتحدة ووضع ميثاق له يتفق وكرامة الأمم.
ولكن هذه الآمال لم تعمر طويلا بعد الحرب، فلقد أظهرت وزارة العمال، بالرغم من أنها اعترفت بتضحيات مصر الجسيمة وبلائها خلال الحرب الماضية، وبالرغم من أنها وافقت على فتح باب المفاوضات للنظر في تعديل المعاهدة، وبالرغم من أنها أعلنت أنها لا تتمسك باستعمارية القرن التاسع عشر، إلا أنها لم تنحرف عن سياسة إنجلترا الخارجية التقليدية في القرن العشرين فيما يختص بالشرق الأدنى وقناة السويس والبحر المتوسط، وإن كانت تجارب الحرب الماضية قد أثبتت بشكل لا يقبل الشك أن قيمة قناة السويس كحلقة مهمة في المواصلات بين الشرق والغرب، وخاصة بين بريطانيا وإمبراطوريتها الشرقية، تكاد تنعدم إذا كانت الدولة التي تسيطر على وسط البحر المتوسط، في إيطاليا أو تونس، دولة معادية لإنجلترا، لا سيما بعد التطور الهائل الذي شمل وسائل الحرب وخططها، وبعد أن أصبحت القوة البحرية أساسية في الحرب لا تقل أهمية عن القوة البرية أو الجوية، فأهمية قناة السويس قائمة على أن البحر المتوسط مفتوح للمواصلات العالمية، فإذا استطاعت دولة أو دول تطل على البحر المتوسط معادية لإنجلترا إغلاقه، تضاءلت قيمة قناة السويس، وتضاءلت الحركة خلالها، ومع ذلك فأية قوة جوية معادية من قاعدة قريبة تستطيع تعطيل حركة المرور في القناة وعرقلة الملاحة فيها.
فهمت حكومة العمال في أول الأمر هذه الحقيقة، فهي إذن لم تتمسك ببقاء جنود الاحتلال في قناة السويس، ولم يكن هناك من داع جوهري بعد أن تضاءلت المصالح والإمبراطورية الإنجليزية الشرقية باستقلال الهند والباكستان ودخولهما ضمن نظام الكومنولث، ولكن أرنست بيفن أراد نظير ذلك أن يربط مصر بتحالف أو تعاون مشترك في وقتي السلم والحرب يخدم سياسة إنجلترا العامة في الشرق الأدنى أو الأوسط - كما أصبح يطلق عليه - فينص مشروع صدقي باشا- مستر بيفن في المادة 2 على: أن الطرفين المتعاقدين الساميين متفقان على أنه في حالة اعتداء مسلح على مصر أو في حالة دخول المملكة المتحدة في حرب نتيجة لاعتداء مسلح على بلاد جارة - ملاصقة - لمصر، يتخذان متعاونين ومتشاورين الإجراءات التي يريانها لازمة إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير الضرورية لإعادة السلام. وتنص مادة 3 على أنه: لضمان التعاون المتبادل والمساعدة بين الطرفين المتعاقدين الساميين، ولإيجاد التنسيق في الإجراءات التي تتخذ للدفاع المتبادل، يتفق الطرفان المتعاقدان على إنشاء لجنة للدفاع مشتركة تتكون من الهيئات الحربية للدولتين يساعدها من ترى الدولتان تعيينه، واللجنة استشارية، وظيفتها ... دراسة مشاكل الدفاع المتبادل للطرفين ... في البر والبحر والجو، وخاصة ما يستلزمه ذلك التعاون والخطوات اللازمة لقوى الطرفين ... المسلحة لمقاومة الاعتداء بنجاح.
فكأن إنجلترا في هذا المشروع استعاضت عن احتلال قناة السويس والدفاع عنها برأي جديد هو التعاون المشترك، وهذا - بلا ريب - تطور في وجهة النظر الإنجليزية، وإن كانت هذه الفكرة الجديدة لم تستمر طويلا، إذ - كما سنجد - عادت بريطانيا في سنة 1950 فأعلنت أن سياستها هي تأكيد روابط التحالف بينها وبين مصر كدولتين متساويتين لهما مصالح مشتركة ... وأن حكومة المملكة المتحدة تقترح على ذلك سحب كل قواتها البحرية والجوية من الأراضي المصرية، وأن تسوى بالمفاوضات مراحل وتاريخ ذلك الجلاء والتنظيمات التي من شأنها تسهيل التعاون بين الدولتين في حالة الحرب أو التهديد بالحرب.
فكأن الحكومة البريطانية - كما قال رئيس الحكومة المصرية في ليك سكسس - قد جعلت الجلاء عن مصر مشروطا، وقدمت على هذا الأساس مشروعا لمعاهدة تحالف ومشروعا لمعاهدة حربية يشتملان تقريبا على الشروط الحربية البغيضة التي كانت تنطوي عليها معاهدة سنة 1936، وتبع هذا اقتراحات من كل من الجانبين، إلى أن سافر صدقي باشا إلى لندن ليتصل بمستر بيفن وزير الخارجية البريطانية، ووصل الطرفان إلى مشروع لاتفاق، ظهر فيه فيما بعد اختلاف وجهات النظر، وذلك بعد أن رجع صدقي باشا إلى مصر.
ولم يستطع الطرفان - المصري والإنجليزي كما نص خطاب رئيس الحكومة المصرية - الوصول إلى نتيجة حاسمة فيما اختلفا عليه؛ ولذا لم يبق أمام مصر إلا أن تتقدم لمجلس الأمن، تؤكد قيمة القناة الاستراتيجية وأهميتها للملاحة الدولية، ولم يكن الرأي العام المصري بمستعد أن يقبل هذا الرأي أو أن يستبدل بالدفاع المشترك كما أرادته إنجلترا الجلاء عن القناة.
Bog aan la aqoon