Ingiriiska iyo Kanaalka Suez: 1854–1951
إنجلترا وقناة السويس: ١٨٥٤–١٩٥١م
Noocyada
ولتفادي الأخطار التي قد تلحق بقناة السويس أرسل فردنند دي لسبس برقية إلى ممثلي الدول الكبرى في باريس ينصح فيها كل دولة تهتم بحرية المرور في القناة أن ترسل سفينة حربية للمراقبة عند بورسعيد، وبين أنه محرم القيام بأي عمل حربي أو بأية مظاهرة حربية عند مدخل القناة أو على شواطئها، وأن حيدة هذه القناة العالمية قررت في الامتياز الممنوح للشركة، وأن هذه الحيدة قد لوحظت من الناحية العملية في الحرب الفرنسية الألمانية سنة 1870، والحرب الروسية التركية سنة 1877.
اتخذ فردنند دي لسبس هذا الموقف حين طلب القائد البحري الإنجليزي المرابط في مياه بورسعيد إرسال سفينة حربية للمراقبة في قناة السويس، ولم يجد مدير الشركة أن يجيب ذلك الطلب خوفا من العواقب التي قد تترتب عليه من انفراد إنجلترا بحقوق في القناة لا تكون للدول الأخرى. ولقد وافق مجلس إدارة الشركة على ما قام به مديرها على أساس أن الشركة مشروع مصري تجاري قبل كل شيء؛ ولذا لا يجب أن تربك نفسها في عمليات سياسية أو حربية.
ولقد استشار الأعضاء الإنجليز في مجلس إدارة الشركة حكومتهم في لندن فيما يجب أن يكون عليه موقفهم، ويظهر أنهم كانوا يفهمون أو يريدون استغلال شركة القناة لخدمة مصالح إنجلترا السياسية؛ ولذا فهم خلال هذه الأزمة لا يهتمون بمصلحة القناة بقدر ما يستلهمون مصالح إنجلترا السياسية والحربية التي وضعوها فوق كل اعتبار، والواقع أنهم كانوا أكثر حماسة لاحتلال إنجلترا للقناة من رجال البحرية ورجال الحرب الإنجليز، ويرون في ذلك خير وسيلة لتفوق نفوذ الأعضاء الإنجليز في مجلس إدارة الشركة؛ ولذا فهم في هذه الأزمة قد أخذوا على عاتقهم محاربة كل اقتراح أو مشروع أو احتجاج مهما كان قانونيا أو مشروعا من شأنه عرقلة سياسة إنجلترا أو وضع العقبات أمام حركات جنودها أو سفنها في القناة، وفسروا الامتياز الممنوح لشركة القناة وكل السوابق العملية التي مرت بتاريخ القناة في الظروف الحربية المختلفة تفسيرا يتلاءم ومصالح إنجلترا، كما اهتموا بتنفيذ التعليمات التي ترد إليهم من حكومتهم بشأن القناة خلال هذه الأزمة التي انتهت باحتلال الإنجليز للقناة ولمصر.
وكانت الحكومة الإنجليزية تخشى من جانبها - كما تدعي - أن يقوم العرابيون بردم القناة أو احتلالها أو إتلافها، وكانت تقارير ممثلي إنجلترا ممتلئة بالتشاؤم، وتنذر كما يقول الإنجليز بالخطر الشديد على هذه الطريق البحرية المهمة، وتواترت الإشاعات التي تقول بأن البدو المجاورين للقناة يعملون على مهاجمة السفن المارة بالقناة؛ أي أن سلامة المرور في القناة لم تعد مكفولة ولا مضمونة.
وفي 16 يوليو سنة 1882 أرسلت الحكومة الإنجليزية تعليمات لقائدها البحري في بورسعيد الرير أدميرال هوسكنز بأن يتعاون مع قائد الأسطول الفرنسي في أمر حماية القناة، وأن يعمل بغير تردد في حالة حدوث خطر مباغت.
ولما عين عرابي باشا، علي باشا فهمي على منطقة القناة، أعلن الإنجليز أن الدولة البريطانية في حالة حرب مع عرابي باشا وأتباعه وأنها لا تحترم في مصر غير حقوق الخديو.
لقد كانت الحكومة الإنجليزية - حكومة جلادستون - مستعدة من الوجهة الفنية لتقبل كل التقارير الممتلئة بالتشاؤم وتصديق الشائعات التي تبالغ في وصف الخطر المحدق بالقناة، والعمل على مقتضاها، وخاصة وأن العرابيين لم يهتزوا كثيرا لفقدان الإسكندرية، ولم يرجعوا عن عزمهم في الدفاع عن البلاد مهما كلفهم الأمر، وأخذوا بالفعل في تحصين مصر وإعداد وسائل الدفاع والحرب.
أخذت الحكومة الإنجليزية إذن في الاتصال بالدول لكبرى التي يهمها أمر القناة، تشير إلى الخطر الذي يتهدد القناة، وضرورة حمايتها، اتصلت الحكومة الإنجليزية بحكومة رومة، ولكن حكومة رومة لم تعط الإنجليز ما كانوا يبتغون، إذ أجاب وزير الخارجية الإيطالي مانشيتي بأن مصير القناة وحرية الملاحة فيها وفتحها في كل وقت للمرور أمر يهم الإيطاليين جميعا، لا ريب في ذلك، ولكن إيطاليا تريد أن تتبين أولا وبالتفصيل نوع الإجراءات التي تريد إنجلترا اتخاذها في هذه المسألة بالذات.
وأما الحكومة الفرنسية، فلقد كانت دائما في خشية من البرلمان، تلاحقها الأزمات الوزارية والسياسية لكبير المسائل وصغيرها؛ ولذا اقترحت الحكومة الإنجليزية أن تسعى الدولتان الكبيرتان لدى المؤتمر الذي ما زال منعقدا في الأستانة لإقناعه بأمر انتدابهما لحماية قناة السويس من الأخطار التي تهددها - في نظر الإنجليز - والمحافظة عليها، فالدولتان - كما كانتا تعتقدان - صاحبتا المصالح الكبرى في مصر وفي القناة. وكانت الحكومة الفرنسية - حكومة دي فريسنيه - تعتقد أنه إذا وافق المؤتمر على انتدابها هي وإنجلترا لحماية القناة، والمحافظة على حرية المرور فيها؛ فإنها تستطيع أن تبرر عملها أمام البرلمان الفرنسي، وتستطيع أن تحصل على موافقته، وبغير ذلك لا تجرؤ على التدخل مع إنجلترا.
فالحكومة الفرنسية إذن لم تكن تقل رغبة عن حكومة جلادستون في التدخل لما تدعيه من حماية القناة، وكان دي فريسنيه نفسه يود لو استطاع التدخل والتعاون مع الإنجليز، وخاصة بعد ضرب الإنجليز لمدينة الإسكندرية واحتلالهم لها، وكان زعيم الجمهوريين في فرنسا نفسه ينادي دائما بضرورة التعاون مع إنجلترا، في كل مسائل البحر الأبيض المتوسط، ففي البرلمان الفرنسي في جلسة 19 يوليو سنة 1882 حاول ذلك الرجل أن يقنع البرلمان بضرورة التعاون مع إنجلترا للمحافظة على مصالح فرنسا، ولكن أعضاء البرلمان الفرنسي ما كانوا يوافقون أبدا على أي تدخل حربي فرنسي في وادي النيل، ولقد شكر كلمنصو؛ أحد الأعضاء البارزين في مجلس النواب الفرنسي الحكومة الفرنسية في نفس هذه الجلسة على عدم الاشتراك مع الإنجليز في ضرب مدينة الإسكندرية، وعلى الامتناع عن كل المغامرات الحربية، وندد بسياسة السير في أذيال إنجلترا.
Bog aan la aqoon