وقال الآخرون: قد قال الله تعالى: { إنا جعلناه قرآنا عربيا } وجعل الله خلق كله فقال هؤلاء: لو كان كذلك، لكان قول الله، في قصة نبيه إبراهيم صلى الله عليه وسلم: "رب اجعل هذا البلد آمنا" أي خلق هذا البلد آمنا. فكيف يسأله أن يخلقه، وهو فيه مخلوق. ولكن معناه: جعلناه قرآنا عربيا: أي صيرناه يقرأ بالعربية، كما أن التوراة والإنجيل والزبور كلامه. صير ذلك يقرأ بالعجمية.
وقال الآخرون: قد قال الله تعالى: { وما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث } والمحدث مخلوق. فقال هؤلاء: محدث، يعني محدثة تلاوته، منقول من اللوح المحفوظ، نزل به جبريل إلى النبي صلى الله وسلم عليهما، شيئا بعد شيء نجوما. وإنما أحدث من اللوح المحفوظ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأشياء لا يحتملها هذا المختصر تركناها. وبالله التوفيق.
الباب الرابع والسبعون
في كلام الله عز وجل لنبيه موسى بن عمران - صلى الله عليه وسلم -
قال المؤلف: اختلف الناس في كلام الله عز وجل لموسى بن عمران.
فقال بعضهم: إنه تعالى كلمه تكليما. كما قال عز وجل. وذلك حق من الله. وقد كلمه كما قال، كما شاء، على ما شاء من ذلك.
وقال بعضهم: إن الكلام من الله لموسى عليه السلام إلهام، أسمعه صوتا، أفهمه به الكلام. ولم يسمعه نفسه متكلما.
وفي آثار قومنا: أن موسى عليه السلام سمع كلام الله تعالى بغير صوت، ولا حرف، كما يرى الأبرار ذات الله، بالعلم واليقين، بأعين قلوبهم، لا بأعين رؤوسهم كما قال الشيخ محمد بن روح في شعر:
... أنا أرى الله بالعلم ... ... علم مكنون صدري
... ولا أراه بوهم ... ولا بلحظة نظري
والبارئ يرى بعلم اليقين لا شخص.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟
فقال: لن تراه العيون. ولكن تراه القلوب بحقائق الإيمان.
وأما رؤية العين التي في الرأس، فذلك لا يجوز. وقد قدمنا ذلك.
Bogga 61