ونفيه عن الله عز وجل قال المؤلف: زعمت المشبهة أن الله تعالى يتجلى لهم يوم القيامة، فيرونه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا؛ لأن التجلي على وجهين فمنه: ظهور الشيء. والشيء قد يظهر بوجهين، فيظهر جهرة، ويظهر بدلالة. ألا ترى إلى قول القائل: قد تجلى لي هذا الشيء. وقد يكون ذلك الشيء ليس بشخص.
والذي يتجلى جهرة، لا يكون إلا جسما أو شخصا من الأشخاص، إذ الأبصار لا تدرك إلا ذلك.
والتجلي من الخالق لا يكون إلا بالدلالات والبينات؛ إذ ليس بجسم ولا عرض.
ومعنى قول الله تعالى: { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا } أي تجلى للجبل، آية من آيات الله. وقيل: علامة من علامات يوم القيامة، فلم يطق الجبل حمل تلك الآية، فصار دكا.
وقيل: إن الجبل ساخ في الأرض.
وقيل: تجلى للجبل جبريل عليه السلام فظن الجبل أن القيامة قد قامت، فصار دكا والبارئ عز وجل ليس بشخص محتجب بحجب ساترة، فيتجلى منها، ويظهر بعد ستره. وإنما حجب البارئ العباد عن رؤيته هو، لا أنه تعالى
محتجب عنهم. ولو كان عز وجل محتجبا مستترا، لكانت الحجب أكبر منه، إذ قد سترته. ولكان محتاجا إلى الحجب. والمحتاج فقير، ليس بغني عن العالمين، لأن الإله هو الغني عن كل شيء، ليس كمثله شيء.
وقول الله تعالى: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب } المعنى: أن الرسول محجوب عن الله، إذ كان البارئ عز وجل لا تجوز عليه الرؤية؛ لأنه تعالى لا يرى لذاته. وهو يرى ولا يرى وبالله التوفيق.
الباب الثامن والستون
Bogga 54