فإن كانت الأبصار تدركه في الآخرة، فهو أيضا يطعم في الآخرة؛ لأن مدائح الله لا تزول في الدنيا ولا في الآخرة، ومن قال: إنه في الآخرة يكون مثله شئ، وإنما قوله: ليس كمثله شئ في الدنيا خاصة، فهذا منكر من القول وزور، تعالى الله عنه علوا كبيرا، فقوله تعالى: { وجوه يومئذ ناضرة } وهو بالظماء، أي منتظرة إلى ثواب ربها، كما تقول: إني لأنظر إلى ما يأتيني من فلان، وليس ثم نظر بعين، إنما يعني: إني لمنتظر لما يأتيني من فلان.
وقول الله تعالى: { وجوه } يعني أنفس وأجسام، لا يعني بالوجه الذي في الرأس، ألا ترى إلى قوله تعالى: { وجوه يومئذ باسرة } يعني بالكفرة الفجرة.
فنظر أهل الجنة إلى ربهم، إنما هو انتظارهم إلى رزقه، وإكرامه وخيره، وقولهم: إنهم ينظرون البارئ يوم القيامة، أو في الجنة فكذب، تعالى الله عن
قولهم؛ لأنه لا يخلو من أن يكون ينظرونه بكليته، لا يخفى عليهم منه شئ فقط، أو يكونوا ينظرون بعضه دون بعض.
فإن كانوا ينظرونه كله، لا يخفى عليهم منه شئ، فقد أحاطوا به والمحاط به صغير، والمحيط به أكبر منه، والمحيط به أكبر منه، تعالى الله عن ذلك، وأن يكون يخفى عليهم منه شئ، فالذي خفى غير الذي لم يخف، وهذه صفة المتغاير المختلف المتبعص، تعالى الله عن ذلك.
الباب الثالث والخمسون
في اليد وتفسيرها
والرد على من زعم من المشبهة أن الله يدا معقولة، تعالى الله عن ذلك
اليد في لغة العرب:على معان كثيرة، ومنها: ما يراد به الشئ نفسه.
ومنها الملك والقدرة.
ومنها: العطية والمنة.
فالذي يراد به نفسه، كقول الله تعالى: { لما خلقت بيدي } ، أي لما خلقت أنا دون غيري واليد - هاهنا -: صلة، كقوله تعالى: { ذلك بما قدمت يداك } أي قدمت أنت أيها العبد. واليد صلة.
وكذلك قوله تعالى: { أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما } أي ما خلقنا نحن.
Bogga 45