وكذلك لا يوصف بأنه يعقل الأشياء، كما يوصف بأنه يعلمها؛ لأن علمنا أن ما يسمى عقلا -على التوسع- تشبيها بالعقل الذي هو الشد والمنع، لأن علمنا يحسن الحسن، وقبح القبيح، هو منع لنا من ركوب القبيح، وترك الحسن. فمسى العلم عقلا، من هذا الوجه توسعا.وعلم الله. لا يجوز أن يكون منعا له عن الشيء؛ لأنه لا يجوز عليه المنع، كما لا يجوز أن يكون محلا، لأن التحلية والمنع، إنما يجوز على من تتوق نفسه إلى الأشياء، فيمتنع من ذلك، ويكف عنه، مثل ما وصفنا. وهذا غير كائن على الله تعالى فلم يجز أن يقال: إنه تعالى عاقل. ولا يوصف عز وجل بأنه يفهم الأشياء، كما يوصف بأنه يعلمها، لأن الفهم هو العلم، بمعنى الكلام، الذي تسمعه، حتى يكون إذا سمعته، لم يخف عليك معناه.
وكذلك الفقه. إنما هو يفقه الكلام. ولهذا لا يوصف بالفهم، إلا للكلام وحده.
وكذلك لا يوصف بالفقه إلا للكلام. كما قال سبحانه: { ووجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا } . فلما كان البارئ تعالى، لم يزل عالما بالأشياء كلها ومعانيها، لم يجز أن يوصف، بأنه يعرف معنى الكلام، إذا سمعه، كما نوصف نحن بذلك. ولا أنه يفهمه، ولا يفقهه، ولا أنه فهم، ولا أنه فقيه.
ولا يوصف بأنه يشم، ولا يذوق؛ لأن الشم هو استنشاق الجسم المشموم، ودخوله في الخياشيم، وممارسة الخياشيم به. والذوق هو: مماسة الجسم للذوق باللسان واللهوات. فلما لم تجز على الله مماسة الأجسام، ولا مداخلتها إياه، لم يجز عليه الشم والذوق.
ولا يوصف بأنه يحرد ويقنط؛ لأن القنط من الغيظ. والغيظ والحرد: عرضان يحلان في الإنسان.
ولا يوصف بأنه يغتاظ، كما يوصف بأنه يغضب، لأنه ليس معنى الغيظ، معنى الغضب؛ لأنه قد يغتاظ في الشاهد من أفعالنا. ولا يغضب في الشاهد منها. والغيظ إنما هو بمنزلة الحسرة التي يلحقها، عند كون ما يكرهه. وليس الغضب كذلك لأنا قد نغضب على العصاة لله تعالى، وإن لم نكن عليهم مغتاظين، في وقت غضبنا.
Bogga 216