استطاع هذا السؤال البسيط أن يبقي يحيى مؤرقا حتى الصباح. •••
لم يقل شهاب شيئا لأبيه، ولكن العبء كان أكبر من أن يحتمله وحده، قال لأخيه، وارتمى الأخوان في دوامة قاتلة من الخزي والشعور بالمهانة: أبلغ تأثيرها عليه إلى هذا الحد؟ - اسمع، إن أبي يعرف. - ماذا تقول؟ - لا يمكن، لا بد أنه يعرف. - على كل حال إن لم يكن عارفا، فقد عرفته أنا، ورفض أن يعرف. - شهاب، ماذا ستفعل؟ - لا نعرف. - كيف سننظر إلى أم عاهرة، وأب ديوث وصديق خائن؟ - نحن الآن لا نستطيع أن نفكر. - لا بد أن نفكر، ماذا سنفعل؟ - نطلب منهما أن نعيش في بيت وحدنا. - ربما يرفضان. - لا تتكلم عنهما، تكلم عنها وحدها أنها تفعل ما تريد، هو لا شيء؛ بكل صمته المهيب، وبكل عظمته المتجهمة هو لا شيء. - إذن سترفض. - لا تستطيع أن ترفض لنا شيئا الآن. - لماذا؟ - بعد الذي رأيته. - إنها متأكدة أنك لن تقول لأحد. - فعلا، ولكن لماذا ترفض؟ - بماذا تبرر خروجنا من القصر؟ - إذن لا يدخل حامد هذا بيتنا. - ولا هذا، الظاهر أنك لا تعرف قيمة حامد، إنه صديق الحكام اليوم، وهو الذي يحمي بيتنا أن يؤخذ، ويحمي أبي أن توضع عليه الحراسة. - حراسة! أيقبل هذا الوضع خوفا من الحراسة؟ - لا تبالغ في ظلمه، ربما قبله حتى لا يعرفه أحد. - اسمع، لا بد أن نجد حلا، لن نستطيع العيش في هذا البيت، بل لن نستطيع العيش في مصر كلها. - وجدتها. - ماذا؟ - نسافر إلى الخارج. - نهرب؟! - نهرب. - ولكن الحقيقة التي نعرفها أنستطيع أن نتركها هنا؟ - هناك دنيا أخرى. - ولكنها لن تستطيع أن تبتلع الحقيقة التي نعرفها. - على كل حال، هذا خير من أن نرى هؤلاء الناس. - أي شيء خير من أن نرى هؤلاء الناس. - أي شيء خير من أن نرى هؤلاء الناس. - إلى أين نسافر؟ - إلى فرنسا. - ولماذا فرنسا؟ نسافر إلى إنجلترا. - أولا؛ لأننا نتقن الفرنسية. - وهذا سبب يجعلنا نسافر إلى إنجلترا؛ حتى نتقن الإنجليزية أيضا. - الحقوق دراستها في فرنسا والهندسة أيضا، أما في إنجلترا فستكون دراسة الهندسة فقط هي الممكنة، فالقانون الإنجليزي بعيد كل البعد عن القانون المصري. - لولا الظروف التي نمر بها؛ لكنت تركتك تسافر إلى فرنسا، وسافرت أنا إلى إنجلترا، أما الآن فلا بد أن نكون معا دائما. - ومسألة اللغة بسيطة، يمكن أن نقضي الإجازة الصيفية كلها في إنجلترا لدراسة اللغة. - فكرة.
وسافر الأخوان، وتركا القصر العظيم يضم بين أحنائه تكبره وخسته وجراحه وخيانته، ولم يقدرا .. وكيف لهما أن يقدرا أن القلب المتكبر الكسير لذلك الرجل الذي استطاعا أن يكرهاه، انصدع حطامه بسفرهما صدعا الموت أهون منه، ولكن طول التكبر منه عوده تلبس الكبرياء، فانحنى على صدوع قلبه الذي أمسى شظايا. وصمت!
الفصل الثاني والعشرون
لا يستطيع أحد أن يقدر أثر الرواية المقروءة المعروضة على مسرح، أو شاشة السينما، أو التليفزيون، أو المذاعة، التقدير الصحيح.
فإن هذه الروايات أفسدت حياة الناس، ونغصت عليهم عيشتهم تنغيصا فريدا؛ حتى لا يجرؤ شيء آخر أن يسابقها في هذا المضمار.
فقد ظلت هذه الأعمال التي نطلق عليها أعمالا فنية ترسم البيت السعيد رسما غاية في السذاجة والعبط، فالزوجة تطعم زوجها بيدها، وتأتي له بالحذاء، وتتولى شئون ملابسه، وتحاول دائما أن تضحك معه، ولا تطلعه على شيء يكدرها أبدا حتى لا يمتد الكدر إليه، وهي طبعا تطيع أوامره مهما تكن هذه الأوامر سخيفة. وتحرص هذه الأعمال الفنية أن تجعل حياة الزوجين جميعا على هذه الوتيرة الواحدة، التي يتخيلها الكتاب السذج، سعادة لا تدانيها سعادة وهناءة لا يماثلها هناء.
وأغلب الأمر أن هؤلاء الكتاب يلقون من زوجاتهم عنتا ورهقا يجعلهم يهربون من واقع دنياهم، تلك التي يصطنعونها دنيا مهبولة تفيض سخافة وعبطا.
ولو وقف الأمر عند هذا لأصبح مقبولا. وأي خير أن يهرب كاتب، أو أي شخص، من واقع مرير إلى حلم وهم سعيد، ما دام بهذا يقر عينا ويسعد؟
ولكن الكارثة الكبرى أن المنتجين والمخرجين يأخذون الأمر مأخذ الجد، ويعرضون هذه الأعمال على الناس.
Bog aan la aqoon