والي الولاة الذي بمكارمه يُضْرَبُ المَثَل، وشرف الجُباة الذي جمع له العلم والعمل، أبقاكم الله والسعادة لكم مركب، ونصبة ولايتكم لا يخالف سعدَها كوكب، كتبتُه ولساني طليق، وشأني بالاقتصار على تلك الذات خليق، وقد كانت عندي مكارمكم التي وقفت على أعيانها، وبحثت في سمع كيانها، واجْتَزَأْتُ بأَثَرِهَا عن عِيَانِهَا، وتخطيتُ إِجمالَها إلى بيانها، مما يُقْضَى منه العجب، ويُجْلِي من غرة الجود ما احتجب، وأظن ذلك احتفالًا استنفد القوة، وحذقًا ختم آيّ الكَرَمِ المتلُوَّة، فأنتج لي استخبارُ الطارئين في الأرض والواردين على الغَمْر والبَرْض، ومتجملي العنايات والشفاعات، والوسائل النفَّاعات كأبي عبد الله بن جَدار والشرفاء أولي المُؤَنِ الكبار، وسواهم على تباين الأطوار، أنّ قضية مكارمكم مطلقة، وأَعْدَادَ جودكم بالثناء مُنْطِقَة، فَلَعمري لقد وجدت لذلك خِفَّة على كبدي، إذ لم أر الصنيعة البعيدة مختصة بيدي، إنما أنت بحر المواهب الزاخر، والواحد الذي افتخر به الزمان الآخر، ومتحملُه فلان من ذوي الفضل ذاتًا وصحبه، ووسيلة وقربه، وله بصاحب رياسة الإنشاء تخصصٌ وتميز، وفئة وتحيز، والمراد أن يكون من رعى والي الولاة بمكان مكين، ومبوّأٌ من مجده إلى رُبوةٍ ذاتِ قرارٍ وَمَعين، يكون ذلك من جملة ماله من الأيادي البرة، والفواضل المتألقة الغُرة، والله يديم سَعْدَه، ويحرسُ مجده. والسلام..
وكتبت إلى عميد الدولة في غرض التحريك والشفاعة: سيدي الأعظم، وملاذي الأعصم، وعروة عزي الوثقى التي لا تُفصم، أبقاك الله بقاء آثارك، وأنه للعُمر، تأمرُ الدهرَ فيأتمر، ويلبي بثنائك الطائفُ والمعتمر، بأي لسان أَثْنِي على فواضلك وهر أمهاتُ المِنَن، وطُرَفُ الشام واليمن، ومقاماتُ بديع الزمن، والتحف المرتفعة عن الثمن. فحسبي دُعاء أردده وأواليه، وأرتقب مطاوبَ الإجابة عن مَقْدَمِه وتاليه، وأن تَشَوَّفَ المنعمُ للحال الموقوف جبرُه بمشيئة الله على جميل سعيه، الموسدة على وِطَاء لطفه، المُغشَّاة بغطاء رعيه، فقلبٌ خافق، وقلب مؤمن يجاريه وَسْوَاسٌ منافق. وقد تجاوز موسى مجمع البحرين، وأصبح سُرَى إيابه سري القَيْن. ولقد كانت مراحل الرسُل قصيرة قبل أن يكسبها زُحَلِي ثِقَلَ الحركة، ويخلط خاصِّي في وظائفها المشتركة، وليت أمري برز إلى طرف، وأفضى إلى منصَرَف، وربما ظفر آيس بما يرجوه، وبرز المحبوب من المكروه، والله لا يفضح جاه الكتاب الذي أحيا وأنشر، وحيَّا وبشَّر، وأعطى صحيفته باليمين وقد جمعت رسالتكم المحشر، وموصل كتابي، ينوبُ في تقبيل اليد العلمية منابي، وليعلم سيدي أن هذا القطر على شهرته وتألق مشتريه وزهرته، إذا تُنُخِّلَ كِرَامُه، وعهدُ الفضل لم يَبِنِ انصرامُه، فهو لُبابُه المُتَخَيَّر وزلاله الذي لا يتغير: أصالةً معروفة، وهمةً إلى الآثار مصروفة ونُبْلًا على السن والكَبْرة، ورجولةً خليقةً بصلة الحرمة والمَبَرَّة، والوسيلةُ لا تُطْرَحْ، والمعنى الذي لا يُفسر لوضوحه ولا يُشرح، هو انتماؤه إلى جناب سيدي حديثًا وقديمًا، واعترافُه بنعمه مديرًا لها ومُديمًا. والله يُوفر من آثار سيدي حظه، ويجدد لديه وعيه ولحظه، حتى يعود خافقًا عَلَمُ إقباله، مُعلمًا بردَ اهتباله، مسرورًا ببلوغ آماله. فلعمري إن محل ولايته لكَفِيٌّ، وإن عهد أمانته لَوفِيّ، وإن عامل جده لَظَاهِرٌ وخَفِي، وما يفعله سيدي من رعيه وإنجاح سعيه كسوبٌ في مَنَاقبه، ومعدودٌ في فضل مَذاهبه والسلام.
وخاطبت الوالي الفاضل أبا محمد بن بطان فيما يظهر من الغرض:
لا ناقة لِيَ في صَبْرِي ولا جَمَلُ ... مِنْ بَعْدِ ما ظَعَنَ الأحبابُ واحْتَمَلُوا
قالوا استَقَلُّوا بِعَيْنِ الفِطْرِ قلتُ لهم ... ما عَرَّسُوا بسِوى قَلْبِي وَلاَ نَزَلُوا
1 / 55