وتنزل نسوة من عل لزرع طرف حقلهن، ويكون للطين المجمد مظهر رصيف على طول النهر، وتمر من هنالك نسوة على ظهور حميرهن الصغار، والنساء وحدهن هن اللاتي يسرن ما دام الرجال كناسين في القاهرة أو منظفي أطباق في مطاعمها، وهؤلاء الرجال هم أكثر أمانة وأقل ذكاء من فلاحي مصر الدنيا، وهؤلاء الرجال يهاجرون إلى السودان ليكونوا خدما عسكريين لدى ضباط كتشنر، ولكن لسنة واحدة فقط، ثم يرجعون إلى أزواجهم.
ويصعد حظ هؤلاء الفلاحين ويهبط بين هذه الضفاف الوعرة الجديبة، وقد رفع خزان أسوان مرتين، وغمر في كل مرة مساكن ألوف الأسر، وقدمت إليها أراض في مصر الخصيبة، وهي لم ترد مغادرة تلك التربة المرت
4
ذات الوحل والحجر التي عاش عليها أجدادها، وهي قد أقامت أكواخا جديدة في أماكن أكثر ارتفاعا، وظلت النخل الخائضة ملكا لها، وظلت تعدها شجر آبائها، وتود أن تأمل رطبها وإن وجب أن تصل إليها راكبة سفينة.
وتكونت أشباه جزر فيجري النهر من بينها في فيوردات
5
صغيرة، وتستر شواطئها قرى خربة وسيغمرها الماء في الشهر القادم، ويترجح عرض الأراضي المخضرة في شهر فبراير بين خمسين مترا وثلاثمائة متر، ويضطر النوبيون بعد الحصاد إلى نقل حبوبهم إلى منازلهم الجديدة، لكيلا يجرفها الماء في فصل الشتاء.
والدر مدينة صغيرة يجعلها ارتفاعها القليل في حمى من الفيضانات، وهي تقع في نهاية منعطف النيل، وتقرب منها كروسكو حيث تفرض الجبال على النيل عروة قصيرة متجهة نحو الجنوب الشرقي، وتقع هذه الجبال في بقعة خصيبة يخرج جذر النخلة الواحدة بها عدة أصول، وهنالك يبدو الناس أصحاء نشاطا، وتبدو السوق زاخرة، وتلمع البيوت من خلال شجر السنط الأصفر، وهنالك كانت تحمل الجمال فتبلغ أبا حمد عند الشلال الرابع في ثمانية أيام أحيانا قاطعة عروة النيل من الطريق التي يتبعها الخط الحديدي في الوقت الحاضر. ومن هنالك كان حجاج مكة يسيرون نحو البحر الأحمر. واليوم تزمر وتبوق سيارات فورد الصغيرة في الطرق فتنتظر جمال كردفان الجميلة باسرة
6
كأنها تعرف أنها صارت لا تساوي أكثر من جنيهين بعد أن كانت تساوي عشرة جنيهات، وأن نزول قيمتها جعل منها في القاهرة جزورا،
Bog aan la aqoon