243

Nil Hayat Nahr

النيل: حياة نهر

Noocyada

ولمصر فائدة من وراء ذلك مع ذلك، ولو خسرت مصر النيل الأوسط حربا تجاه إنكلترة لوجدت في الأدب التاريخي ما يسوغ تفكيرها في الانتقام. والواقع أن مصر عادت - بتدخل من إنكلترة - إلى امتلاك بلد بالاشتراك كانت قد أضاعته عن سوء إدارة لسكانه النوبيين الأصليين.

ويشعر المصريون بأنهم أرقى من أولئك السكان كما تشعر به أية دولة من دول البيض المنتدبة على الزنوج، وتظهر طبقات المصريين العليا - وهي غير طبقة الفلاحين - من قلة العدد كالأشراف وكأبناء الطبقة الوسطى الراقية في العهد القيصري الروسي، وهي تعد نفسها وارثة لحضارة بلغت من القدم خمسة آلاف سنة، وهي لا تشعر بغير ازدراء للسودانيين الذين هم من أكلة لحوم البشر، والذين يصلحون للعناية بالخيل وللطهي وليكونوا خدما في قصور القاهرة، وكان الخدم السودانيون حتى سنة 1900 أبناء لعبيد اتخذوا قناصين في الغارات كالباز في الصيد، ويعود أولئك الخدم إلى بلدهم بعد غياب بضع سنين جالبين معهم نقدا ومزاعم وزهو أنصاف الجهال.

وأثار انتحال المصريين لوضع السيد المتعالي حقد جيل السودان الحاضر عليهم، وليس المصري سيدا يخشاه خدمه، والسوداني يمقت الباشا الذي كان المهدي قد طرده، والسوداني يمقت التركي الذي عاد على أكتاف مردة من البيض، والذي يمسح أحذيته ويغسل سياراته في القاهرة بضعة آلاف من الفتيان، وما هي فائدته من هؤلاء السادة المحليين أو الأجانب؟ أليس من الرأي أن يقاس السوداني بالفلاح على ضفة النهر حين يدير ثوره ناعورة ويطحن نساؤه الذرة بأيديهن القوية وينمل

1

أولاده في النخل قطفا للبسار،

2

والفلاح، كالسوداني يجهل الحكمة القديمة المكتوبة على ألياف البردي، والفلاح لا يفك الخط الهيروغليفي في الوقت الحاضر كما لا يفكه السوداني الذي يعلم القراءة.

وترانا مرة أخرى تجاه تلك الدورة الأدبية التي تبدأ من قدرة الأبيض على تربية الأسود لتعود إلى عجز الأبيض، ولم يقم حكم إنكلترة على الجلد بسياط مصنوعة من جلد وحيد القرن، ولم تأت إنكلترة بقوانين ولا بتدابير عقيمة، وتستند إنكلترة منذ البداءة إلى مساعدة القبائل باحترامها عاداتها، وتترك إنكلترة لسكان البلاد الأصليين درجة القضاء الأولى فتجد 55 في المائة من الوظائف الدنيا بيد السودانيين، وتجد 23 في المائة من الوظائف الدنيا بيد المصريين، ويوجد في الوقت الحاضر من أهل البلاد 1200 مكاس

3

وبريد ومعلم وجاب و3000 موظف من القضاة والطباعين والمهندسين والعمد ومستخدمي الخطوط الحديدية والأطباء الناشئين في السودان من الألفباء إلى ما هم عليه، ويتخذون دليلا على جهد إنكلترة في التمدين، ويزيد عددهم بسرعة، وهم - وإن لم يكونوا ذوي خطر في الساعة الراهنة - يعدون طلائع قوم تحولهم التربية إلى منافسين لسادتهم.

Bog aan la aqoon