Lou-Salomé
كان يبدو له أنه قد عرف أذكى نساء الأرض، (ومع ذلك، فلنلاحظ أن كثيرا من الصفات التي كان يمتدحها فيها هي من صفات الرجولة؛ إذ يقول عنها: «إن لها نظرة ثاقبة كنظرة النسر، ولها شجاعة الأسد»!) ومن العجيب أن نيتشه قد طلب الزواج منها؛ غير أنها رفضت، وظن هو أنها قد خدعته مع صديقه «باول ري
» الذي تزوجته فيما بعد، فكانت تلك صدمة شديدة له، حتى قيل إنه حاول الانتحار بتناول كمية كبيرة من أقراص منومة كان قد اعتاد تعاطيها. والذي يهمنا في كل هذا أن نيتشه، الذي حمل على المرأة، وعلى الزواج، حملة شديدة، قد طلب هو ذاته الزواج من لو سالومي، حين رأى فيها المرأة الملائمة له.
وأعمق من هذه العلاقة، وأبعد أثرا في حياة نيتشه، علاقته بكوزيما فاجنر؛ ذلك لأن هذه المرأة الذكية الواسعة الاطلاع قد أسرت نيتشه بجرأتها وتحديها للتقاليد منذ اللحظة الأولى، فأعجب بها إعجابا صامتا، بل لقد أحبها بعمق، ولم يكن يجرؤ على أن يصرح بهذا الحب، خاصة وأن مشاعرها نحوه لم تكن متبادلة على الإطلاق، وكان اهتمامها كله مركزا في عبقرية زوجها فحسب. وهكذا ظل نيتشه يكتم حبه الصامت، حتى قيل إن ذلك الشعور كان من أسباب انشقاقه العنيف عن فاجنر، إلى أن جاء اليوم الذي باح فيه بسره القديم، وكان ذلك في اللحظة التي لم يستطع فيها ذهنه أن يحتفظ بأي سر على الإطلاق.
11
والذي يعنينا في هذا أيضا أن أول تصرف قام به نيتشه بعد جنونه هو أن يبوح بحبه لكوزيما فاجنر بطريقته الخاصة، مما يثبت لنا مدى الدور الهائل الذي كان يلعبه هذا الحب في ذهنه وفي تفكيره طوال حياته الواعية.
وعلى أساس هذه التجارب الفاشلة يمكننا أن نفهم دون عناء مدى عنف نيتشه في حملته على المرأة، فهو يؤمن بأن المرأة «بطبيعتها» مخلوق ناقص، وفيها من العيوب الكامنة ما يحتم علينا ألا نعهد إليها بأي عمل جدي ؛ فالمرأة تهتم بالأشخاص لا بالأشياء. وهي إذا اهتمت بالأشياء فإنما تعاملها كما لو كانت أشخاصا، وتنظر إليها نظرة شخصية متحيزة؛ فمن الخطر أن نعهد إليها بالأمور الهامة، كالسياسة مثلا؛ إذ إنها عندئذ لا يمكنها أن تتصرف تصرفا نزيها محايدا. وهكذا يقف نيتشه في وجه حركة تحرير المرأة بكل قوته، بل يرى أن طبيعة المرأة ذاتها عقبة ضد هذا التحرير؛ إذ إنها محافظة بطبيعتها تحترم السلطة السائدة والأفكار التي يقرها المجتمع، ولا يمكنها أن تتحدى هذه السلطة أو تخرج من هذه الأفكار؛ ومن هنا كان تعلقها بالرجل عائقا له عن المضي في طريق تحرره هو ذاته، فضلا عن تحررها الخاص. وهكذا يؤكد نيتشه أن: «الروح الحرة لا تعيش مع المرأة.»
12
وإنما تحلق وحدها، وتسير في طريقها الخاص، وأقصى ما يمكن أن تحتله المرأة من مكانة، هي مكانة الأشياء المملوكة فحسب: «... فأما الرجل الذي يتصف بالعمق في روحه كما في رغباته ... فلا يمكنه أن يفكر في المرأة إلا على الطريقة الشرقية دائما؛ أعني أنه لا بد أن ينظر إلى المرأة على أنها شيء يمتلك، وعلى أنها متاع محجب، وعلى أنها شيء كتب عليه مقدما أن يستعمل في الخدمة المنزلية، وأن يحقق ذاته فيها ...»
13
Bog aan la aqoon