Nazariyat Macrifa
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
Noocyada
وفي نص آخر يتحدث لوك عن يقيننا الطبيعي بوجود الأشياء خارجة عنا، ويوضح ارتباطه بحاجات الإنسان الطبيعية في هذا العالم فيقول:
إن اليقين بوجود الأشياء بالطبيعة عندما تشهد حواسنا بذلك، لا يبلغ المبلغ الذي يمكن أن تصل إليه قدرتنا فحسب، بل يبلغ أيضا القدر الذي تحتاج إليه طبيعتنا ... فهذا التأكيد بوجود الأشياء خارجنا يكفي توجيهنا في اكتساب الخير وتجنب الشر الذي تسببه هذه الأشياء، وهو ما يهمنا في معرفتنا إياها.
3
وإذا دلت هذه النصوص المفصلة على شيء، فإنما تدل على أن لوك قد اهتدى بكل وضوح إلى ذلك الارتباط الأساسي للموقف الطبيعي بقدرة الإنسان على السلوك العلمي في العالم الطبيعي، فإذا حاولت وأنت تسبح أن تنظر إلى البحر على أنه ليس خارجيا، فلن يكون لهذا من نتيجة سوى غرقك، وإذا شئت - خلال سيرك - أن تعد الشجرة فكرة ذاتية في رأسك، فلن يؤدي ذلك إلا إلى اصطدام رأسك ذاتها بها.
وإذن فللموقف الطبيعي مجاله الضروري، وهو المجال العملي الحيوي.
وحواسنا - مهما كانت «خشونتها» - تقدم إلينا صورة للعالم لا نستطيع أن نرفضها رفضا قاطعا في سلوكنا العملي، وإلا أدى ذلك إلى إلحاق أبلغ الأضرار بحياتنا ذاتها، حقا إن نصيب هذه الحواس يتفاوت نجاحا أو فشلا حين تقتحم ميادين أخرى، كميدان تفسير الظواهر أو فهمها، ولكنها في الميدان العضوي العملي لا مفر منها، وتؤدي وظيفتها الكاملة فيه، ومن العبث الاعتراض على قدرتها في هذا الميدان. •••
فإذا عدنا إلى النص الأول الذي اقتبساه من لوك لوجدناه في أول هذا النص يتحدث عن حدة الحواس كما لو كانت تؤدي بنا إلى إدراك «التركيب الحقيقي» الذي تتوقف عليه الكيفيات المحسوسة للأشياء، وتلك هي نقطة الضعف في هذا النص، وربما كانت فيه مجرد تعبير غير موفق لا يؤثر في السياق العام للنص، ولكنها في ذاتها تمثل اتجاها مشتركا بين كثيرين من مفكري العلم والفلسفة، وهو اتجاه كانت له أخطر النتائج بالنسبة إلى التفكير في مشكلة العالم الخارجي.
فهل هناك بالفعل صورة «حقيقية» للعالم؟ إننا نستطيع أن نميز على الأقل بين ثلاث صور لهذا العالم: (1)
الصورة «الخشنة»: التي تطلعنا عليها حواسنا: صورة العالم بما فيه من «أشياء» نتعامل معها في حياتنا اليومية. (2)
الصورة الميكروسكوبية: التي نرى فيها أو نحاول أن نرى «العالم الأصغر» عالم الكائنات الحية الدقيقة أو الخلايا أو الجسيمات. (3)
Bog aan la aqoon