ثم ختمت الكتاب وناولتني إياه، فأخذته ومضيت إلى دار جبير الشيباني فوجدته في الصيد، فجلست أنتظره، فبينما أنا جالس وإذا به قد أقبل من الصيد، فلما رأيته على فرسه ذهل عقلي من حسنه وجماله، فالتفت فرآني جالسا بباب داره، فنزل عن جواده وعانقني وسلم علي، ثم دخل بي إلى داره وسألني عن حاجتي، فأخرجت إليه الكتاب.
فلما قرأ ما فيه مزقه ورماه في الأرض وقال لي: يا بن منصور، مهما كان لك من الحوائج قضيناه إلا هذه الحاجة التي أتيت من أجلها، فذهبت حزينا إلى كاتبة السطور وأعلمتها بما جرى أولا وآخرا، فزاد منها الحزن والقلق ورفعت طرفها إلى السماء وقالت: يا إلهي، كما أبليتني بمحبة جبير بن عمير تبليه بمحبتي وتنقل إليه ما يلقاه فؤادي. ثم إني عدت إلى حبيبها جبير فوجدت داره قد تهدمت بأسرها ولم أجد على بابه غلاما، فظننته مات فحزنت عليه، وبينما أنا أبكي إذا بعبد أسود خرج إلي من الدار وسألني عن هذا البكاء، فقلت له السبب، فقال: إن الذي ذكرته حي بحمد الله ولكنه قد بلي بحب غادة حسناء تدعى بدور وهو من أجلها كطيف الخيال، فقلت: استأذن لي عليه. فدخل الدار مستأذنا ثم عاد إلي آذنا، فدخلت عليه فوجدته كالحجر الطريح، فناديت مرارا حتى انتبه فقال لي: مرحبا يا أبا منصور. فقلت له: يا سيدي ألك بي حاجة؟ قال: نعم، أريد أن أكتب لها ورقة وأرسلها معك إليها، ثم كتب هذه الأبيات:
سألتكم بالله يا سادتي مهلا
علي فإن الحب لم يبق لي عقلا
تمكن مني حبكم وهواكم
فألبسني سقما وأورثني ذلا
لقد كنت قبل اليوم أستصغر الهوى
وأحسبه يا سادتي هينا سهلا
فلما أراني الحب أمواج بحره
رجعت لحكم الله أعذر من يبلى
Bog aan la aqoon