كنت في الجاهلية عطارا، فقدمت مكة فنزلت على العباس بن عبد المطلب، فبينا أنا جالس عنده أنظر إلى الكعبة وقد تحلقت الشمس في السماء أقبل شاب كأن في وجهه القمر، حتى رمى ببصره إلى السماء، فنظر إلى الشمس ساعة ثم أقبل حتى دنا من الكعبة فصف قدميه يصلى، فخرج على إثره فتى كأن وجهه صحيفة يمانية، فقام عن يمينه، فجاءت امرأة متلففة في ثيابها فقامت خلفهما، فأهوى الشاب راكعا فركعا معه، ثم أهوى إلى الأرض ساجدا فسجدا معه، فقلت للعباس: يا أبا الفضل، أمر عظيم. فقال: أمر والله عظيم، أتدرى من هذا الشاب؟ قلت: لا. قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، أتدرى من هذا الفتى؟ قلت: لا. قال: هذا ابن أخي أبى طالب بن عبد المطلب. أتدرى من المرأة؟ قلت: لا. قال: ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزى، هذه خديجة زوج محمد. هذا وإن محمدا هذا بذكر أن إلهه إله السماء، وأمره بهذا الدين، فهو عليه كما ترى. ويزعم أنه نبي، وقد صدقه على قوله على ابن عمه هذا الفتى، وزوجته خديجة هذه المرأة، والله ما أعلم على وجه الأرض كلها أحدا على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة، قال عفيف: فقلت له: فما تقولون أنتم؟ قال: ننتظر الشيخ ما يصنع، يعنى أبا طالب أخاه.
وروى عبيد الله بن موسى والفضل بن دكين والحسن بن عطية قالوا: حدثنا خالد بن طهمان عن نافع بن أبي نافع عن معقل بن يسار قال: كنت أوصى (1) النبي صلى الله عليه وآله فقال له: هل لك أن نعود فاطمة؟ قلت: نعم يا رسول الله. فقام يمشى متوكئا على وقال: أما إنه سيحمل ثقلها غيرك ويكون أجرها لك. قال: فوالله كأنه لم يكن على من ثقل النبي صلى الله عليه وآله شيئا. فدخلنا على فاطمة عليها السلام فقال لها صلى الله عليه وسلم: كيف تجدينك؟ قالت: لقد طال أسفى واشتد حزني وقال لي النساء زوجك أبوك فقيرا لا مال له؟ فقال لها: أما ترضين أنى زوجتك أقدم أمتي سلما، وأكثرهم علما، وأفضلهم حلما؟ قالت: بلى، رضيت يا رسول الله.
وقد روى هذا الخبر يحيى بن عبد الحميد، وعبد السلام بن صالح، عن قيس بن الربيع عن أبي أيوب الأنصاري بألفاظه أو نحوها (2).
Bogga 289