مناقضات أبى جعفر الإسكافي لبعض ما أورده الجاحظ في العثمانية من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
Bogga 281
(1) مناقضة لصفحة 1 - 6 من العثمانية
قال أبو جعفر الإسكافي:
لولا ما غلب على الناس من الجهل وحب التقليد لم نحتج إلى نقض ما احتجت به العثمانية، فقد علم الناس كافة أن الدولة والسلطان لأرباب مقالتهم، وعرف كل أحد [علو (1)] أقدار شيوخهم وعلمائهم وأمرائهم، وظهور كلمتهم، وقهر سلطانهم. وارتفاع التقية عنهم، والكرامة والجائزة لمن روى الاخبار والحديث في فضل أبى بكر. وما كان من تأكيد بنى أمية لذلك. وما ولده المحدثون من الأحاديث طلبا لما في أيديهم، فكانوا لا يألون جهدا في طول ما ملكوا أن يخملوا ذكر علي عليه السلام وولده، ويطفئوا نورهم ويكتموا فضائلهم، ومناقبهم وسوابقهم، ويحملوا على شتمهم وسبهم ولعنهم على المنابر، فلم يزل السيف يقطر من دمائهم مع قلة عدهم وكثرة عدوهم، فكانوا بين قتيل وأسير، وشريد وهارب، ومستخف ذليل، وخائف مترقب، حتى إن الفقيه والمحدث والقاضي والمتكلم ليتقدم إليه ويتوعد بغاية الايعاد وأشد العقوبة أن لا يذكروا شيئا من فضائلهم ولا يرخصوا لاحد أن يطيف بهم، وحتى بلغ من تقية المحدث إذا ذكر حديثا عن علي عليه السلام كنى عن ذكره فقال: قال رجل من قريش، وفعل رجل من قريش ولا يذكر عليا عليه السلام ولا يتفوه باسمه. ثم رأينا جميع المختلفين قد حاولوا نقض فضائله ووجهوا الحيل والتأويلات نحوها، من خارجي مارق، وناصب حنق، ونابت مستبهم، وناشئ معاند، ومنافق مكذب، وعثماني حسود، يعترض فيها ويطعن، ومعتزلي قد نفذ في الكلام وأبصر علم الاختلاف، وعرف الشبه ومواضع الطعن وضروب التأويل، قد التمس الحيل في إبطال مناقبه، وتأول مشهور فضائله. فمرة يتأولها بما لا يحتمل، ومرة يقصد أن يضع من قدرها بقياس منتقض، ولا يزداد مع ذلك إلا قوة ورفعة، ووضوحا واستنارة.
Bogga 282
وقد علمت أن معاوية ويزيد ومن كان بعدهما من بنى مروان أيام ملكهم - وذلك نحو ثمانين سنة - لم يدعوا جهدا في حمل الناس على شتمه ولعنه وإخفاء فضائله، وستر مناقبه وسوابقه.
روى خالد بن عبد الله الواسطي عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم قال: لما بويع لمعاوية أقام المغيرة بن شعبة خطباء يلعنون عليا عليه السلام. فقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ألا ترون إلى هذا الرجل الظالم، يأمر بلعن رجل من أهل الجنة؟!
روى سليمان بن داود عن شعبة عن الحر بن الصباح قال: سمعت عبد الرحمن ابن الأخنس يقول: شهدت المغيرة بن شعبة خطب فذكر عليا عليه السلام فنال منه.
روى أبو كريب قال: حدثنا أبو أسامة قال حدثنا صدقة بن المثنى النخعي عن رياح بن الحارث قال: بينما المغيرة بن شعبة بالمسجد الأكبر وعنده ناس إذ جاءه رجل يقال له قيس بن علقمة، فاستقبل المغيرة فسب عليا عليه السلام.
روى محمد بن سعيد الأصفهاني عن شريك عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن علي ابن الحسين عن أبيه علي بن الحسين عليه السلام قال: قال لي مروان: ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم. قلت: فما بالكم تسبونه على المنابر؟ قال:
إنه لا يستقيم لنا الامر إلا بذلك.
روى مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي عن ابن أبي سيف قال: خطب مروان والحسن عليه السلام جالس، فنال من علي عليه السلام، فقال الحسن: ويلك يا مروان. أهذا الذي تشتم أشر الناس (1)؟ قال: لا، ولكنه خير الناس.
روى أبو غسان أيضا قال: قال عمر بن عبد العزيز: كان أبى يخطب فلا يزال مستمرا في خطبته حتى إذا صار إلى ذكر على وسبه تقطع لسانه واصفر وجهه وتغيرت حاله، فقلت له في ذلك فقال: أو قد فطنت لذلك؟ إن هؤلاء لو يعلمون من على ما يعلمه أبوك ما تبعنا منهم رجل.
Bogga 283
روى أبو غسان قال: حدثنا أبو اليقظان قال: قام رجل من ولد عثمان إلى هشام ابن عبد الملك يوم عرفة، فقال: إن هذا يوم كانت الخلفاء تستحب فيه لعن أبى تراب.
روى عمرو بن القناد عن محمد بن فضيل عن أشعث (1) بن سوار قال: سب عدى ابن أرطاة عليا عليه السلام على المنبر فبكى الحسن البصري وقال: لقد سب هذا اليوم رجل إنه لأخو رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة.
روى عدى بن ثابت عن إسماعيل بن إبراهيم قال: كنت أنا وإبراهيم بن يزيد جالسين في الجمعة مما يلي أبواب كندة، فخرج المغيرة فخطب، فحمد الله ثم ذكر ما شاء الله أن يذكر، ثم وقع في علي عليه السلام، فضرب إبراهيم على فخذي أو ركبتي ثم قال: أقبل على فحدثني فإنا لسنا في جمعة، ألا تسمع ما يقول هذا؟
روى عبد الله بن عثمان الثقفي قال: حدثنا ابن أبي سيف قال: قال ابن عامر بن عبد الله بن الزبير لولده: لا تذكر يا بنى عليا إلا بخير، فإن بنى أمية لعنوه على منابرهم ثمانين سنة فلم يزده الله بذلك إلا رفعة، وإن الدين لم يبن شيئا قط فهدمته الدنيا، وإن الدنيا لم تبن شيئا قط إلا رجعت على ما بنت فهدمته.
وروى عثمان بن سعيد قال: حدثنا مطلب بن زياد عن أبي بكر بن عبد الله الأصبهاني قال: كان دعى لبنى أمية، يقال له خالد بن عبد الله، لا يزال يشتم عليا عليه السلام، فلما كان يوم جمعة وهو يخطب الناس قال: والله إن كان رسول الله ليستعمله وإنه ليعلم ما هو، ولكنه كان ختنه، وقد نعس سعيد بن المسيب، ففتح عينيه ثم قال: ويحكم ما قال هذا الخبيث؟ رأيت القبر انصدع ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول: كذبت يا عدو الله؟
Bogga 284
وروى القناد قال حدثنا أسباط بن نصر الهمداني عن السدى قال: بينما أنا بالمدينة عند أحجار الزيت إذ أقبل راكب على بعير فوقف فسب عليا عليه السلام، فحف به الناس ينظرون إليه، فبينا هو كذلك إذ أقبل سعد بن أبي وقاص فقال: اللهم إن كان سب عبدا لك صالحا فأر المسلمين خزيه! فما لبث أن نفر به بعيره فسقط فاندقت عنقه.
وروى عثمان بن أبي شيبة عن عبد الله بن موسى عن فطر بن خليفة عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على أم سلمة رحمها الله فقالت - له -: أيسب رسول الله صلى الله عليه وآله فيكم وأنتم أحياء؟ قلت: وأنى يكون هذا؟ قالت: أليس يسب علي عليه السلام ومن يحبه.
وروى العباس بن بكار الضبي قال: حدثني أبو بكر الهذلي عن الزهري قال: قال ابن عباس لمعاوية: ألا تكف عن شتم هذا الرجل؟ قال: ما كنت لافعل حتى يربو عليه الصغير ويهرم فيه الكبير. فلما ولى عمر بن عبد العزيز كف عن شتمه فقال الناس: ترك السنة. قال: وقد روى عن ابن مسعود إما موقوفا عليه أو مرفوعا: كيف أنتم إذا شملتكم فتنة يربو عليها الصغير ويهرم فيها الكبير، يجرى عليها الناس فيتخذونها سنة، فإذا غير منها شئ قيل: غيرت السنة.
قال أبو جعفر: وقد تعلمون أن بعض الملوك ربما أحدثوا قولا أو دينا لهوى. فيحملون الناس على ذلك حتى لا يعرفون غيره، كنحو ما أخذ الناس الحجاج ابن يوسف بقراءة عثمان وترك قراءة ابن مسعود وأبى بن كعب، وتوعد على ذلك بدون ما صنع هو وجبابرة بنى أمية وطغاة بنى مروان بولد علي عليه السلام وشيعته. وإنما كان سلطانه نحو عشرين سنة فما مات الحجاج حتى اجتمع أهل العراق على قراءة عثمان، ونشأ أبناؤهم ولا يعرفون غيرها لامساك الآباء عنها، وكف المعلم عن تعليمها، حتى لو قرئت عليهم قراءة عبد الله وأبى ما عرفوها، ولظنوا بتأليفها الاستكراه والاستهجان، لألف العادة وطول الجهالة، لأنه إذا استولت على الرعية العلية وطالت عليهم أيام التسلط، وشاعت فيهم المخافة، وشملتهم التقية، اتفقوا على التخاذل والتساكت، فلا تزال الأيام تأخذ من بصائرهم، وتنقص من ضمائرهم، وتنقض من مرائرهم، حتى تصير البدعة التي أحدثوها غامرة للسنة التي كانوا يعرفونها.
Bogga 285
ولقد كان الحجاج ومن ولاه، كعبد الملك والوليد، ومن كان قبلهما وبعدهما من فراعنة بنى أمية على إخفاء محاسن علي عليه السلام وفضائله، وفضائل ولده وشيعته وإسقاط أقدارهم، وأحرص منهم على إسقاط قراء عبد الله وأبى، لان تلك القراءات لا تكون سببا لزوال ملكهم وفساد أمرهم وانكشاف حالهم. وفى إشهار فضل علي عليه السلام وولده وإظهار محاسنهم بوارهم. وتسليط حكم الكتاب المنبوذ عليهم. فحرصوا واجتهدوا في إخفاء فضائله، وحملوا الناس على كتمانها وسترها، وأبى الله أن يزيد أمره وأمر ولده إلا استنارة وإشراقا، وحبهم إلا شغفا وشدة، وذكرهم إلا انتشارا وكثرة، وحجتهم إلا وضوحا وقوة، وفضلهم إلا ظهورا، وشأنهم إلا علوا، وأقدارهم إلا أعظاما، حتى أصبحوا بإهانتهم إياهم أعزاء، وبإماتتهم ذكرهم أحياء، وما أرادوا به وبهم من الشر تحول خيرا. فانتهى إلينا من ذكر فضائله وخصائصه، ومزاياه وسوابقه، ما لم يتقدمه السابقون، ولا ساواه فيه القاصدون، ولا يلحقه الطالبون. ولولا أنها كانت كالقبلة المنصوبة في الشهرة، وكالسنن المحفوظة في الكثرة، لم يصل إلينا منها في دهرنا حرف واحد، إذ كان الامر كما وصفناه.
Bogga 286
فأما ما احتج به الجاحظ بإمامة أبى بكر بكونه أول الناس إسلاما فلو كان هذا احتجاجا صحيحا لأحتج به أبو بكر يوم السقيفة. وما رأيناه صنع ذلك. لأنه أخذ بيد عمر ويد أبى عبيدة بن الجراح وقال للناس: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا منهما من شئتم. ولو كان هذا احتجاجا صحيحا لما قال عمر: كانت بيعة أبى بكر فلتة وقى الله شرها! ولو كان احتجاجا صحيحا لادعى واحد من الناس لأبي بكر الإمامة في عصره أو بعد عصره بكونه سبق إلى الاسلام. وما عرفنا أحدا ادعى له ذلك. على أن جمهور المحدثين لم يذكروا أن أبا بكر أسلم إلا بعد عدة من الرجال، منهم علي بن أبي طالب، وجعفر أخوه، وزيد بن حارثة، وأبو ذر الغفاري، وعمرو بن عبسة (1) السلمي، وخالد بن سعيد بن العاص. وخباب بن الأرت. وإذا تأملنا الروايات الصحيحة والأسانيد القوية الوثيقة وجدناها كلها ناطقة بأن عليا عليه السلام أول من أسلم. فأما الرواية عن ابن عباس أن أبا بكر أولهم إسلاما فقد روى عن ابن عباس خلاف ذلك بأكثر مما رووا وأشهر.
فمن ذلك ما رواه يحيى بن حماد عن أبي عوانة وسعيد بن عيسى عن أبي داود الطيالسي، عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس أنه قال: أول من صلى من الرجال علي عليه السلام.
وروى الحسن البصري قال: حدثنا عيسى بن راشد عن أبي بصير عن عكرمة عن ابن عباس قال: فرض الله تعالى الاستغفار لعلى عليه السلام في القرآن على كل مسلم بقوله تعالى: " ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ". فكل من أسلم بعد على فهو يستغفر لعلى عليه السلام.
وروى سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: " السباق ثلاثة: سبق يوشع بن نون إلى موسى، وسبق صاحب يس إلى عيسى، وسبق علي عليه السلام بن أبي طالب إلى محمد عليه وعليهم السلام. فهذا قول ابن عباس في سبق عليه السلام إلى الاسلام. وهو أثبت من حديث الشعبي وأشهر. على أنه قد روى عن الشعبي خلاف ذلك من حديث أبي بكر الهذلي وداود بن أبي هند عن الشعبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلى عليه السلام: " هذا أول من آمن بي وصدقني وصلى معي ".
Bogga 287
قال: فأما الأخبار الواردة بسبقه إلى الاسلام، المذكورة في الكتب الصحاح والأسانيد الموثوق بها، فمنها ما روى شريك بن عبد الله عن سليمان بن المغيرة، عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود أنه قال: أول شئ علمته من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أنى قدمت مكة مع عمومة لي وناس من قومي، وكان من أنفسنا شراء عطر، فأرشدنا إلى العباس بن عبد المطلب، فانتهينا إليه وهو جالس إلى زمزم، فبينا نحن عنده جلوسا إذ أقبل رجل من باب الصفا وعليه ثوبان أبيضان وله وفرة إلى أنصاف أذنيه جعدة، أشم أقنى، أدعج العينين، كث اللحية، براق الثنايا، أبيض تعلوه حمرة، كأنه القمر ليلة البدر. وعلى يمينه غلام مراهق أو محتلم حسن الوجه، تقفوهم امرأة قد سترت محاسنها، حتى قصدوا نحو الحجر. فاستلمه واستلمه الغلام ثم استلمته المرأة، ثم طاف بالبيت سبعا والغلام والمرأة يطوفان معه، ثم استقبل الحجر فقام ورفع يديه وكبر، وقام الغلام إلى جانبه وقامت المرأة خلفهما فرفعت يديها وكبرت، فأطال القنوت، ثم ركع وركع الغلام والمرأة ثم رفع رأسه فأطال ورفع الغلام والمرأة معه ثم سجدوا وسجد الغلام معه يصنعان مثل ما يصنع، فلما رأينا شيئا ننكره لا نعرفه بمكة أقبلنا على العباس فقلنا: يا أبا الفضل، إن هذا الدين ما كنا نعرفه فيكم! قال: أجل والله. وقلنا: فمن هذا؟ قال: هذا ابن أخي، هذا محمد بن عبد الله، وهذا الغلام ابن أخي أيضا، هذا علي بن أبي طالب وهذه المرأة زوجة محمد، هذه خديجة بنت خويلد. والله ما على وجه الأرض أحد يدين بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة.
ومن حديث موسى بن داود عن خالد بن نافع عن عفيف بن قيس الكندي - وقد رواه عن عفيف أيضا مالك بن إسماعيل النهدي والحسن بن عنبسة الوراق وإبراهيم بن محمد بن ميمونة - قالوا جميعا: حدثنا سعيد بن جشم عن أسد بن عبد الله (1) البجلي عن يحيى بن عفيف بن قيس عن أبيه قال:
Bogga 288
كنت في الجاهلية عطارا، فقدمت مكة فنزلت على العباس بن عبد المطلب، فبينا أنا جالس عنده أنظر إلى الكعبة وقد تحلقت الشمس في السماء أقبل شاب كأن في وجهه القمر، حتى رمى ببصره إلى السماء، فنظر إلى الشمس ساعة ثم أقبل حتى دنا من الكعبة فصف قدميه يصلى، فخرج على إثره فتى كأن وجهه صحيفة يمانية، فقام عن يمينه، فجاءت امرأة متلففة في ثيابها فقامت خلفهما، فأهوى الشاب راكعا فركعا معه، ثم أهوى إلى الأرض ساجدا فسجدا معه، فقلت للعباس: يا أبا الفضل، أمر عظيم. فقال: أمر والله عظيم، أتدرى من هذا الشاب؟ قلت: لا. قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، أتدرى من هذا الفتى؟ قلت: لا. قال: هذا ابن أخي أبى طالب بن عبد المطلب. أتدرى من المرأة؟ قلت: لا. قال: ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزى، هذه خديجة زوج محمد. هذا وإن محمدا هذا بذكر أن إلهه إله السماء، وأمره بهذا الدين، فهو عليه كما ترى. ويزعم أنه نبي، وقد صدقه على قوله على ابن عمه هذا الفتى، وزوجته خديجة هذه المرأة، والله ما أعلم على وجه الأرض كلها أحدا على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة، قال عفيف: فقلت له: فما تقولون أنتم؟ قال: ننتظر الشيخ ما يصنع، يعنى أبا طالب أخاه.
وروى عبيد الله بن موسى والفضل بن دكين والحسن بن عطية قالوا: حدثنا خالد بن طهمان عن نافع بن أبي نافع عن معقل بن يسار قال: كنت أوصى (1) النبي صلى الله عليه وآله فقال له: هل لك أن نعود فاطمة؟ قلت: نعم يا رسول الله. فقام يمشى متوكئا على وقال: أما إنه سيحمل ثقلها غيرك ويكون أجرها لك. قال: فوالله كأنه لم يكن على من ثقل النبي صلى الله عليه وآله شيئا. فدخلنا على فاطمة عليها السلام فقال لها صلى الله عليه وسلم: كيف تجدينك؟ قالت: لقد طال أسفى واشتد حزني وقال لي النساء زوجك أبوك فقيرا لا مال له؟ فقال لها: أما ترضين أنى زوجتك أقدم أمتي سلما، وأكثرهم علما، وأفضلهم حلما؟ قالت: بلى، رضيت يا رسول الله.
وقد روى هذا الخبر يحيى بن عبد الحميد، وعبد السلام بن صالح، عن قيس بن الربيع عن أبي أيوب الأنصاري بألفاظه أو نحوها (2).
Bogga 289
وروى عبد السلام بن صالح عن إسحاق الأزرق عن جعفر بن محمد عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوج فاطمة - دخل النساء عليها فقلن: يا بنت رسول الله، خطبك فلان وفلان فردهم عنك وزوجك فقيرا لا مال له! فلما دخل عليها أبوها عليه السلام رأى ذلك في وجهها، فسألها فذكرت له ذلك، فقال: يا فاطمة، إن الله أمرني فأنكحتك أقدمهم سلما، وأكثرهم علما، وأعظمهم حلما. وما زوجتك إلا بأمر من السماء. أما علمت أنه أخي في الدنيا والآخرة؟!
وروى عثمان بن سعيد عن الحكم بن ظهير عن السدى، أن أبا بكر وعمر خطبا فاطمة عليها السلام فردهما رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: لم أومر بذلك. فخطبها علي عليه السلام فزوجه إياها وقال لها: زوجتك أقدم الأمة إسلاما. وذكر تمام الحديث.
قال: وقد روى هذا الخبر جماعة من الصحابة منهم أسماء بنت عميس، وأم أيمن وابن عباس، وجابر بن عبد الله.
قال: وقد روى محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أبى رافع قال: أتيت أبا ذر بالربذة أودعه، فلما أردت الانصراف قال لي ولا ناس معي: ستكون فتنة فاتقوا الله، وعليكم بالشيخ علي بن أبي طالب فاتبعوه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول له: أنت أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصديق الأكبر، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكافرين، وأنت أخي ووزيري وخير من أترك بعدي، تقضى ديني وتنجز موعودي.
قال: وقد روى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن نمير عن العلاء بن صالح عن المنهال ابن عمرو عن عباد بن عبد الله الأسدي قال:
سمعت علي بن أبي طالب يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر لا يقولها غيري إلا كذاب، ولقد صليت قبل الناس سبع سنين.
وروت معاذة بنت عبد الله العدوية قالت: سمعت عليا عليه السلام يخطب على منبر البصرة ويقول: أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم.
Bogga 290
وروى حبة بن جوين العرني أنه سمع عليا عليه السلام يقول: أنا أول رجل أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وآله. رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن حبة بن جوين.
وروى عثمان بن سعيد الحرار عن علي بن حرار عن علي بن عامر عن أبي الجحاف عن حكيم مولى زاذان قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: صليت قبل الناس سبع سنين، وكنا نسجد ولا نركع، وأول صلاة ركعنا فيها صلاة العصر فقلت: يا رسول الله ما هذا؟ قال: أمرت به.
وروى إسماعيل بن عمرو عن قيس بن الربيع عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال:
صلى رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الاثنين، وصلى على يوم الثلاثاء بعده.
وفى الرواية الأخرى عن أنس بن مالك: استنبئ النبي صلى الله عليه وآله يوم الاثنين وأسلم على يوم الثلاثاء بعده.
وروى أبو رافع أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى أول صلاة صلاها غداة الاثنين، وصلت خديجة آخر نهار يومها ذلك. وصلى علي عليه السلام يوم الثلاثاء غداة ذلك اليوم.
قال: وقد روى بروايات مختلفة كثيرة متعددة عن زيد بن أرقم وسلمان الفارسي وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك. أن عليا عليه السلام أول من أسلم. وذكر الروايات والرجال بأسمائهم.
وروى سلمة بن كهيل عن رجاله الذين ذكرهم أبو جعفر في الكتاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أولكم ورودا على الحوض أولكم إسلاما: على ابن أبي طالب ".
Bogga 291
وروى يس بن محمد بن أيمن. عن أبي حازم مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب وهو يقول: كفوا عن علي بن أبي طالب، فإني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه خصالا لو أن خصلة منها في جميع آل الخطاب كان أحب إلى مما طلعت عليه الشمس.
كنت ذات يوم وأبو بكر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة، مع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نطلبه، فانتهينا إلى باب أم سلمة فوجدنا عليا متكئا على نجاف الباب (1)، فقلنا: أرونا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: هو في البيت، رويدكم. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فثرنا حوله، فاتكأ على علي عليه السلام وضرب بيده على منكبه فقال: أبشر يا علي بن أبي طالب، إنك مخاصم وإنك تخصم الناس بسبع لا يجاريك أحد في واحدة منهن: أنت أول الناس إسلاما وأعلمهم بأيام الله. وذكر الحديث.
قال: وقد روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا الحديث.
قال: وروى أبو أيوب الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لقد صلت الملائكة على وعلى علي عليه السلام سبع سنين. وذلك أنه لم يصل معي رجل فيها غيره.
قال أبو جعفر: فأما ما رواه الجاحظ من قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما تبعني حر وعبد " فإنه لم يسم في هذا الحديث أبا بكر وبلالا. وكيف وأبو بكر لم يشتر بلالا إلا بعد ظهور الاسلام بمكة، فلما أظهر بلال إسلامه عذبه أمية بن خلف، ولم يكن ذلك حال إخفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعوة ولا في أمر الاسلام.
وقد قيل إنه عليه السلام إنما عنى بالحر علي بن أبي طالب، وبالعبد زيد بن حارثة.
وروى ذلك محمد بن إسحاق.
Bogga 292
قال: وقد روى إسماعيل بن نصر الصفار عن محمد بن ذكوان عن الشعبي قال: قال الحجاج للحسن وعنده جماعة من التابعين وذكر علي بن أبي طالب: ما تقول أنت يا حسن؟ فقال: ما أقول؟ هو أول من صلى إلى القبلة، وأجاب دعوة الرسول، وإنه لعلى منزلة من ربه، وقرابة من رسوله، وقد سبقت له سوابق لا يستطيع ردها أحد. فغضب الحجاج غضبا شديدا وقام عن سريره فدخل بعض البيوت، وأمر بصرفنا.
قال الشعبي: وكنا جماعة ما منا إلا من نال من علي عليه السلام، مقاربة للحجاج، غير الحسن بن أبي الحسن رحمه الله.
وروى محرز بن هشام عن إبراهيم بن سلمة عن محمد بن عبيد الله قال: قال رجل للحسن مالنا لا نراك تثنى على على وتفر منه؟ قال: كيف وسيف الحجاج يقطر دما، إنه لأول من أسلم، وحسبكم بذلك.
قال: فهذه الأخبار، وأما الاشعار المروية فمعروفة كثيرة منتشرة.
فمنها قول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب مجيبا للوليد بن عقبة بن أبي معيط:
وإن ولى الله بعد محمد
على وفى كل المواطن صاحبه
وصى رسول الله حقا وصنوه
وأول من صلى ومن لان جانبه
وقال خزيمة بن ثابت في هذا:
وصى رسول الله من دون أهله
وفارسه قد كان في سالف الزمن
وأول من صلى الله من الناس كلهم
سوى خيرة النسوان والله ذو منن
وقال أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس حين بويع أبو بكر:
ما كنت أحسب أن الامر منصرف
عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
أليس أول من صلى لقبلتهم
وأعلم الناس بالأحكام والسنن
وقال أبو الأسود الدؤلي يهدد طلحة والزبير:
وإن عليا لكم مصحر
يماثله الأسد الأسود
إما إنه أول العابدي
ن بمكة والله لا يعبد
Bogga 293
وقال سعيد بن قيس الهمداني يرتجز بصفين:
هذا على وابن عم المصطفى
أول من أجابه فيما روى
هو الامام لا يبالي من غوى
وقال زفر بن يزيد بن حذيفة الأسدي:
فحوطوا عليا وانصروه فإنه
وصى وفى الاسلام أول أول
ولن تخذلوه والحوادث جمة
فليس لكم عن أرضكم متحول
قال: والاشعار كالاخبار إذا امتنع في مجئ القبيلين (1) التواطؤ والاتفاق كان ورودهما حجة.
فأما قول الجاحظ: " فأوسط الأمور أن نجعل إسلامهم معا " فقد أبطل بهذا ما احتج به لامامة أبى بكر، لأنه احتج بالسبق وقد عدل الآن عنه.
قال أبو جعفر: ويقال لهم: لسنا نحتاج من ذكر سبق علي عليه السلام إلا مجامعتكم إيانا على أنه أسلم قبل الناس. ودعواكم أنه أسلم وهو طفل دعوى غير مقبولة إلا لحجة. قلنا: قد ثبت إسلامه بحكم إقراركم. ولو كان طفلا لكان في الحقيقة غير مسلم، لان اسم الايمان والاسلام والكفر، والطاعة والمعصية، إنما يقع على البالغين دون الأطفال والمجانين.
وإذا أطلقتم وأطلقنا عليه اسم الاسلام فالأصل في الاطلاق الحقيقة. كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت أول من آمن بي وأول من صدقني. وقال لفاطمة: " زوجتك أقدمهم سلما " أو قال " إسلاما ".
فإن قالوا: إنما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاسلام على جهة العرض لا التكليف؟
Bogga 294
قلنا: قد وافقتمونا على الدعاء - وحكم الدعاء حكم الامر والتكليف - ثم . ادعيتم أن ذلك كان على وجه العرض. وليس لكم أن تقبلوا معنى الدعاء إلا لحجة.
فإن قالوا: لعله كان على وجه التأديب والتعليم، كما يعتمد مثل ذلك مع الأطفال.
قلنا: إن ذلك إنما يكون إذا تمكن الاسلام بأهله، أو عند النشو عليه والولادة فيه. فأما في دار الشرك فلا يقع مثل ذلك، لا سيما إذا كان الاسلام غير معروف ولا معتاد بينهم. على أنه ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم دعاء أطفال المشركين إلى الاسلام والتفريق بينهم وبين آبائهم قبل أن يبلغوا الحلم. وأيضا فمن شأن الطفل اتباع أهله وتقليد أبيه والمضى على منشئه ومولده. وقد كانت منزلة النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ منزلة ضيق وشدة ووحدة، وهذه منازل لا ينتقل إليها إلا من ثبت الاسلام عنده بحجة، ودخل اليقين قلبه بعلم ومعرفة.
فإن قالوا: إن عليا عليه السلام كان يألف النبي صلى الله عليه وسلم، فوافقه على طريق المساعدة له.
قلنا: إنه وإن كان يألفه فلم يكن يألفه أكثر من أبويه، وإخوته وعمومته وأهل بيته، ولم يكن الألف ليخرجه عما نشأ عليه، ولم يكن الاسلام مما غذى به وكرر على سمعه، لان الاسلام هو خلع الأنداد، والبراءة ممن أشرك بالله، وهذا لا يجتمع في اعتقاد طفل.
ومن العجب قول العباس لعفيف بن قيس: " ننتظر الشيخ وما يصنع " فإذا كان العباس وحمزة ينتظران أبا طالب ويصدران عن رأيه، فكيف يخالف ابنه ويؤثر القلة على الكثرة. ويفارق المحبوب إلى المكروه، والعز إلى الذل، والامن إلى الخوف، من غير معرفة ولا علم بما فيه.
فإما قوله: " إن المقلل يزعم أنه أسلم وهو ابن خمس سنين، والمكثر يزعم أنه أسلم وهو ابن تسع سنين " فأول ما يقال في ذلك أن الاخبار جاءت في سنه عليه السلام يوم أسلم على خمسة أقسام:
Bogga 295
القسم (الأول) الذين قالوا: أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة، حدثنا بذلك أحمد بن سعيد الأسدي عن إسحاق بن بشر القرشي عن الأوزاعي، عن حمزة بن حبيب، عن شداد بن أوس قال: سألت خباب بن الأرت عن إسلام على فقال: أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة، ولقد رأيته يصلى قبل الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ بالغ مستحكم البلوغ.
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن أن أول من أسلم علي بن أبي طالب وهو ابن خمس عشرة سنة القسم (الثاني): الذين قالوا: إنه أسلم وهو ابن أربع عشرة سنة. رواه أبو قتادة الحراني عن أبي حازم الأعرج عن حذيفة بن اليمان قال: كنا نعبد الحجارة ونشرب الخمر وعلى من أبناء أربع عشرة سنة قائم يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلا ونهارا، وقريش يومئذ تسافه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يذب عنه إلا علي عليه السلام.
وروى ابن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد قال: أسلم على وهو ابن أربع عشرة سنة.
القسم (الثالث): الذين قالوا أسلم وهو ابن إحدى عشرة سنة. رواه إسماعيل ابن عبد الله الرقي عن محمد بن عمر عن عبد الله بن سمعان عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن أبيه عن محمد بن علي عليهما السلام: أن عليا حين أسلم كان ابن إحدى عشرة سنة.
وروى عبد الله بن زياد المدني عن محمد بن علي الباقر عليهما السلام قال: أول من آمن بالله علي بن أبي طالب وهو ابن إحدى عشرة سنة، وهاجر إلى المدينة وهو ابن أربع وعشرين سنة.
القسم (الرابع): الذين قالوا: إنه أسلم وهو ابن عشر سنين. رواه نوح بن دراج عن محمد بن إسحاق قال: أول من آمن وصدق بالنبوة علي بن أبي طالب وهو ابن عشر سنين، ثم أسلم زيد بن حارثة، ثم أسلم أبو بكر وهو ابن ست وثلاثين سنة فيما بلغنا.
Bogga 296
القسم (الخامس): الذين قالوا إنه أسلم وهو ابن تسع سنين. رواه الحسن بن عنبسة الوراق عن سليم مولى الشعبي عن الشعبي قال: أول من أسلم من الرجال علي بن أبي طالب وهو ابن تسع سنين، وكان له يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وعشرون سنة.
قال شيخنا أبو جعفر: فهذه الأخبار كما تراها. فإما أن يكون الجاحظ جهلها أو قصد العناد.
فأما قوله " فالقياس أن نأخذ بأوسط الامرين من الروايتين فنقول: إنه أسلم وهو ابن سبع سنين " فإن هذا تحكم منه، ويلزمه مثله في رجل ادعى قبل رجل عشرة دراهم فأنكر ذلك وقال: إنما يستحق قبلي أربعة دراهم، فينبغي أن نأخذ الامر المتوسط ويلزمه سبعة دراهم، ويلزمه في أبى بكر حيث قال قوم: كان كافرا وقال قوم: كان إماما عادلا، أن نقول: أعدل الأقاويل أوسطها، وهو منزلة بين المنزلتين، فنقول: كان فاسقا ظالما. وكذلك في جميع الأمور المختلف فيها.
فأما قوله: " وإنما يعرف حق ذلك من باطله بأن نحصى سنى ولاية عثمان وعمر وأبى بكر وسني الهجرة ومقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد الرسالة إلى أن هاجر ". فيقال له: لو كانت الرواية متفقة على هذه التأريخات لكان لهذا القول مساغ، لكن الناس قد اختلفوا في ذلك، فقيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بعد الرسالة خمس عشرة، رواه ابن عباس. وقيل ثلاث عشرة، وروى [عن (1)] ابن عباس أيضا. وأكثر الناس يردونه. وقيل عشر سنين، رواه عروة بن الزبير، وهو قول الحسن البصري وسعيد بن المسيب.
Bogga 297
واختلفوا في سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قوم: كان ابن خمس وستين، وقيل: كان ابن ثلاث وستين، وقيل: كان ابن ستين، واختلفوا في سن علي عليه السلام، فقيل كان ابن سبع وستين، وقيل: كان ابن خمس وستين، وقيل: ابن ثلاث وستين. وقيل ابن ستين، وقيل: ابن تسع وخمسين. فكيف يمكن مع هذه الاختلافات تحقيق هذا الحال.
وإنما الواجب أن يرجع إلى إطلاق قولهم أسلم على، فإن هذا الاسم لا يكون مطلقا إلا على البالغ. على أن ابن إحدى عشرة سنة يكون بالغا ويولد الأولاد. فقد روت (1) الرواة أن عمرو بن العاص لم يكن أسن من ابنه عبد الله إلا باثنتي عشرة سنة. وهذا يوجب أنه احتلم وبلغ في أقل من إحدى عشرة سنة.
ورووا أيضا أن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس كان أصغر من أبيه علي بن عبد الله بن العباس بإحدى عشرة سنة.
فيلزم الجاحظ أن يكون عبد الله بن العباس حين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مسلم على الحقيقة، ولا مثاب، ولا مطيع بالاسلام، لأنه كان يومئذ ابن عشر سنين. رواه هشيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين.
(2) لصفحة 6 - 9 من العثمانية
هذا كله مبنى على أنه أسلم وهو ابن سبع أو ثمان، ونحن قد بينا أنه أسلم بالغا ابن خمس عشرة سنة أو ابن أربع عشرة سنة. على أنا لو نزلنا على حكم الخصوم وقلنا ما هو الأشهر والأكثر من الرواية، وهو أنه أسلم وهو ابن عشر، لم يلزم ما قاله الجاحظ، لان ابن عشر قد يستجمع عقله ويعلم من مبادئ المعارف ما يستخرج به كثيرا من الأمور المعقولة. ومتى كان الصبى عاقلا مميزا كان مكلفا بالعقليات وإن كان تكليفه بالشرعيات موقوفا على حد آخر وغاية أخرى، فليس بمنكر أن يكون علي عليه السلام وهو ابن عشر قد عقل المعجزة فلزمه الاقرار بالنبوة، وأسلم إسلام عارف، لا إسلام مقلد تابع.
Bogga 298
وإن كان ما نسقه الجاحظ وعدده من معرفة السحر والنجوم، والفصل بينهما وبين النبوة، ومعرفة ما يجوز في الحكمة مما لا يجوز وما لا يحدثه إلا الخالق، والفرق بينه وبين ما يقدر عليه القادرون بالقدرة، ومعرفة التمويه والخديعة والتلبيس والمماكرة، شرطا في صحة الاسلام لما صح إسلام أبى بكر ولا عمر ولا غيرهما من العرب، وإنما التكليف لهؤلاء بالجمل (1) ومبادئ المعارف، لا بدقائقها والغامض منها. وليس يفتقر الاسلام إلى أن يكون المسلم قد فاتح الرجال وجرب الأمور ونازع الخصوم ، وإنما يفتقر إلى صحة الغريزة وكمال العقل وسلامة الفطرة. ألا ترى أن طفلا لو نشأ في دار لم يعاشر الناس بها ولا فاتح الرجال ولا نازع الخصوم ثم كمل عقله وحصلت العلوم البديهية عنده لكان مكلفا بالعقليات.
فأما توهمه أن عليا عليه السلام أسلم عن تربية الحاضن وتلقين القيم ورياضة السائس، فلعمري إن محمدا صلى الله عليه وآله كان حاضنه وقيمه وسائسه، ولكن لم يكن منقطعا عن أبيه أبى طالب، ولا عن إخوته طالب وعقيل وجعفر، ولا عن عمومته وأهل بيته، وما زال مخالطا لهم ممتزجا بهم، مع خدمته لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فما باله لم يمل إلى الشرك وعبادة الأصنام لمخالطته إخوته وأباه وعمومته وأهله، وهم كثير ومحمد صلى الله عليه وآله واحد، وأنت تعلم أن الصبى إذا كان له أهل ذوو كثرة وفيهم واحد يذهب إلى رأى مفرد لا يوافقه عليه غيره منهم فإنه إلى ذوي الكثرة أميل، وعن ذي الرأي الشاذ المنفرد أبعد.
Bogga 299
وعلى أن عليا عليه السلام لم يولد في دار الاسلام وإنما ولد في دار الشرك، وربى بين المشركين وشاهد الأصنام، وعاين بعينيه أهله ورهطه يعبدونها، فلو كان في دار الاسلام لكان في القول مجال، ولقيل إنه ولد بين المسلمين فإسلامه عن تلقين الظئر، وعن سماع كلمة الاسلام، ومشاهدة شعاره، لأنه لم يسمع غيره ولا خطر بباله سواه، فلما لم يكن ولد كذلك [ثبت أن إسلامه إسلام المميز العارف بما دخل عليه. ولولا أنه كذلك (1)] لما قدمه (2) رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك، ولا أرضى ابنته فاطمة لما وجدت من تزويجه بقوله لها: " زوجتك أقدمهم سلما ". ولا قرن إلى ذلك قوله " وأكثرهم علما وأعظمهم حلما " والحلم: العقل. وهذان الأمران غاية الفضل. فلولا أنه أسلم إسلام عارف عالم مميز لما ضم إسلامه إلى العلم والحلم اللذين وصفه بهما. وكيف يجوز أن يمدحه بأمر لم يكن مثابا عليه ولا معاقبا عليه لو تركه.
ولو كان إسلامه على تلقين وتربية لما افتخر هو عليه السلام على رؤوس الاشهاد ولا خطب على المنبر، وهو بين عدو محارب وخاذل منافق، فقال: " أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر والفاروق الأعظم، صليت قبل الناس سبع سنين، وأسلمت قبل إسلام أبى بكر وآمنت قبل إيمانه ". فهل بلغكم أن أحدا من أهل ذلك العصر أنكر ذلك أو عابه أو أدعاه لغيره أو قال له: إنما كنت طفلا أسلمت على تربية محمد صلى الله عليه وآله لك وتلقينه إياك، كما تعلم الطفل الفارسية والتركية منذ يكون رضيعا، فلا فخر له في تعلم ذلك، وخصوصا في عصر قد حارب فيه أهل البصرة والشام والنهروان، وقد اعتورته الأعداء وهجته الشعراء. فقال فيه النعمان بن بشير:
لقد طلب الخلافة من بعيد
وسارع في الضلال أبو تراب
معاوية الامام وأنت منها
على وتح بمنقطع السراب (3)
وقال فيه أيضا بعض الخوارج:
دسسنا له تحت الظلام ابن ملجم
جزاء إذا ما جاء نفسا كتابها
وقال عمران بن حطان يمدح قاتله:
يا ضربة من تقى ما أراد بها
إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حينا فأحسبه
أوفى البرية عند الله ميزانا
Bogga 300