Napoleon Bonaparte ee Masar
نابوليون بونابارت في مصر
Noocyada
ومن غرائب مقتضيات الجهل أن أولئك المغاربة والعربان المفتونين بمهديهم لم يريدوا أن يعتقدوا عن قائدهم قد مات بل تفرقوا شذر مذر عصابات وجماعات في أنحاء البلاد يوهمون الناس أن المهدي لم يمت، وإنما قد اختفى وهو يحارب بسيفه البتار، من وراء ستار ... ا.ه رواية الفرنسيين. •••
ما تقدم من رواية ذلك المغربي الثائر ضد الفرنسيين مستقى من المصادر الفرنسية التي لم يكن لدينا سواها، ولكني عثرت في اللحظة الأخيرة على بيان من مصدر موثوق بصحته وروايته؛ لأنه أولا مصدر محايد، وثانيا شاهد عيان، وصاحب هذه الرواية هو الكولونيل روبرت توماس ويلسون الإنجليزي أحد ضباط الحملة الإنجليزية التي قدمت لمصر تحت قيادة الجنرل أبو كرومبي للاشتراك مع الجيش التركي في إخراج الفرنسيين من أرض مصر.
فقد وضع الكولونيل ويلسون كتابا ذا قيمة تاريخية عظمى عن تلك الحملة
4
روى فيه أن الذي يسميه الفرنسيون «المهدي» صاحب الثورة في البحيرة لم يقتله الفرنسيون، وأنه اجتمع بالجيش الإنجليزي بالقرب من الرحمانية وسار معه حتى وصل إلى القاهرة، وأنه لم يكن شخصا عاديا، بل كان أحد أمراء المغرب الأقصى واسمه مولاي محمد، وقد أطال الكولونيل ويلسون في وصف ذلك الرجل فقال عنه: إنه اجتمع به وإنه رجل مهيب الطلعة، حسن البزة، نبيل النزعة، وإنه رأس الحركة الثورية التي قامت في دمنهور في غيبة نابوليون في سورية، قال: «وكان يركب فرسا عربية من أجمل الجياد التي وقعت العين عليها، وكانت عمامته وجبته ناصعتي البياض، موشاة حوافيها بالذهب وتتدلى على كتفيه شراريب من الدمقس الأحمر، إلى غير ذلك من جميل الملبس وجليل الخلق.»
فمن يكون هذا الأمير المغربي مولاي محمد، ذلك ما لم أتمكن من تحقيقه وغاية ما وصل إليه بحثي أنني عثرت على الرواية الآتية في الجبرتي، وهي قبل قدوم الفرنسيين إلى مصر بنحو سبع سنوات؛ إذ قال في أخبار 13 رمضان سنة 1206 هجرية ما يأتي:
وفيه حضرت صدقات من مولاي محمد صاحب المغرب ففرقت على فقراء الأزهر وخدمة الأضرحة والمشايخ المفتيين والشيخ البكري والشيخ السادات والعمريين على يد الباشا بموجب قائمة ومكاتبة.
وهذا النبأ وحده من بين أنباء الجبرتي ورواياته في مجلداته الأربعة يثبت أنه كان هناك من أمراء المغرب أمير يدعى «مولاي محمد»، وأنه كانت له صلة بمصر، وأنه كان يرسل الصدقات إلى العلماء والمشايخ وطلاب العلم في الأزهر الشريف، فإذا ضم هذا إلى رواية ويلسون الذي قابله ورآه وحادثه ووصفه كما عرفه، كان من المحقق أنه لم يكن رجلا مشعوذا، وأنه قدم مصر بغتة بجماعة من عرب الصحراء الغربية وأهل الغرب لمحاربة الفرنسيين عن غيرة دينية، وأنه لم يقتل كما روى كتاب الفرنسيين الذين أجمعوا على الخلاصة التي تقدم بيانها.
وكان من سوء حظ الفرنساويين أن عصابة من تلك العصابات المفتونة طوحت بها خاتمة المطاف، بعد ذلك التاريخ بنحو شهر من الزمان، إلى جهة بحيرة أدكو، وكان الجنرال دومارتين “Doumartin” «وهو من أكبر القواد الفرنساويين ورئيس فرق الطوبجية ومن كبار المهندسين، وهو الذي أخضع ثورة القاهرة الأولى كما يذكر القراء بمدافعه التي سلطها على المدينة من تلال البرقية والمرتفعات المحيطة بها» - يسير في قارب مسلح ووجهته الإسكندرية للوقوف على كيفية تحصينها وخطط الدفاع عنها، ويظهر أنه كان موفدا من قبل نابوليون لأداء هذه المهمة بعد عودتهما معا من سورية؛ أي: بعد 14 يونيه بقصد التثبت من قوة الدفاع عن شواطئ مصر خوفا من الأساطيل الإنجليزية والعثمانية القادمة بجيش لمصر، كان ذلك القائد الكبير يسير في ذلك القارب فالتقت به عصابة مشردة من عصابات ذلك المهدي، فصبت عليه ومن معه في القارب نارا حامية قضت على أكثر من نصف البحارة وأصيب «دومارتين» بعدة رصاصات، فنقل بها جريحا إلى رشيد ومات بسببها في التاسع من شهر أغسطس، فخسر الفرنساويون بموته خسارة كبيرة، وتولى مكانه في رياسة الطوبجية الجنرال سونجي “Songis” .
ولا نجد مناصا من تذكير القراء بما كتبناه عن ثورة القاهرة وما يجلبه أولئك الأفاقون مثل بدر المقدسي السوري، وذلك المهدي، أو الأمير المغربي، على الأهالي الآمنين المطمئنين، من البلايا والمصائب، كما حصل لأهالي دمنهور، وكما وقع لسكان القاهرة من قبلهم، ولا زلنا نقول ونكرر إنه مع شديد رغبة الناس في الخلاص من الحاكم الأجنبي، فإن مصلحتهم وظروفهم تقضي عليهم بالتزام السكينة والابتعاد عن القلاقل ما لم تتكافأ القوى ويضمن الفوز، ولا يفل الحديد إلا الحديد، وكانت تلك المصلحة وتلك الظروف تقضيان على الحاكم الأجنبي من جانب آخر أن يدرك شعور العامة، ولا يمكن المهيجين المفتونين من إثارة الخواطر بالضرب على الأوتار الحساسة من العواطف القومية، وأن يسلك مع الذين قدر عليهم القضاء بالوقوع تحت سيطرته مسلك الحكمة والعدل والإنصاف، وأن يدع إدارة أحكام البلاد في أيدي أبنائها حتى لا يشعر الأهلون بثقل وطأة السلطة الأجنبية، فبذلك - وبه وحده - يقفل باب التحريض والتهيبج في وجوه طلاب الصيد في المياه العكرة، ممن لا ناقة لهم في البلاد ولا جمل. (3) المخابرات مع أمراء المسلمين
Bog aan la aqoon