Napoleon Bonaparte ee Masar
نابوليون بونابارت في مصر
Noocyada
هذا كل ما ذكره الجبرتي عن ثورة المغربي المدعي المهدوية في مديرية البحيرة، واضطراب روايات الجبرتي ونقصها راجع إلى أنه مقيم في القاهرة، وأن الفرنساويين، لمقتضى السياسة، يمنعون تسرب الأخبار الصحيحة عن الثورات والحوادث في داخلية البلاد، والظاهر من رواية المؤرخين الفرنساويين أن ثورة هذا المغربي استفحل أمرها وعظم شأنها حتى اضطربوا لأمرها، أما المعلم نقولا فلم يذكر كلمة واحدة عن حوادث هذه الثورة.
وخلاصة ما كتب الفرنساويون في هذا الصدد هو أن ذلك الرجل المغربي كان من أهالي «دونه» من ولاية طرابلس الغرب، وأنه اشتهر بالتقوى والصلاح بين قومه حتى كبر اعتقادهم فيه فادعى المهدوية، وكان رجلا جريئا فصيح اللسان، قوي الجنان يدعي أنه لا يأكل ولا يشرب، وأن الملائكة تغذيه وتحميه، وخرج ذلك الرجل من بلدته وليس معه إلا خمسة وعشرون رجلا، فلما وصل إلى واحة سيوة وجد بها قافلة من الحجاج المغاربة فيها نحو أربعمائة رجل من الأشداء الأقوياء والمسلحين، فخطب فيهم وحرضهم على الجهاد ضد الكفار.
قال أولئك المؤرخون إنه في هما بين 24 و25 إبريل سنة 1799 «الموافق 18 القعدة» انقض ذلك المغربي على رأس نحو ستمائة رجل على مدينة دمنهور فاستولى عليها بغتة، وقبض على من فيها من الجنود الفرنساويين وفتك بهم قتلا وذبحا من أولهم إلى آخرهم، واستولى على سلاحهم وعلى مدافع كانت معهم، فلما أشيع أمر انتصاره هذا في مديرية البحيرة هرع إليه الناس من كل فج، وكبر اعتقادهم فيه فاستفحل أمره، وعظم شأنه، وغلا في دعاواه، فكان يقول: إن رصاص الكفار وسيوفهم لا تنال منه شيئا وإنه يذر الرماد في عيون الفرنساويين فيقتلهم، إلى غير ذلك من دعاوى الكرامات التي بنى عليها أمثاله ترهاتهم وخزعبلاتهم وشهرتهم، وبلغ عدد الذين انضموا تحت لوائه، على رواية الفرنساويين، أكثر من أربعة آلاف مقاتل، ولكن ليس فيهم سوى خمسمائة رجل مسلحين، وكان في الرحمانية فرقة من الجند الفرنساوي تحت قيادة الضابط لفيفر “Lefebvre”
فلما اتصلت به أخبار استيلاء المهدي على دمنهور وقتله حاميتها الصغيرة، سار بقوة مؤلفة من خمسمائة جندي بسلاحهم الوافر لملاقاة المهدي والقضاء عليه، فوقعت بين الفريقين معركة كبيرة بين دمنهور والرحمانية، فقتل من الفلاحين العزل من السلاح خلق كثير إلا أن الثائرين تمكنوا بكثرتهم من الالتفاف حول القوة الفرنساوية وقتلوا منها عددا كبيرا، فاضطر الضابط «ليفيفر» بعد معركة دامت عدة ساعات إلى الانسحاب والالتجاء إلى الطابية المقامة في الرحمانية.
ولما وصلت أخبار هذه الثورة إلى القاهرة اضطرب الجنرال دوجا وأصدر أمره للجنرال لأنوس الذي كان مكلفا بمطاردة مصطفى بك أمير الحج، بأن ينتقل بالقوة التي معه إلى البحيرة، وأصدر أمرا ثانيا للجنرال فوجير “Fugiere”
حاكم إقليم الغربية بالسير بقوة كافية إلى الرحمانية، فوصل إلى تلك النقطة في 5 مايو، وبرح الجنرال لأنوس ميت غمر في ذلك اليوم، وانضم إلى القوة المحاربة في الرحمانية يوم 9 من ذلك الشهر، وتولى لأنوس قيادة الجند التي تحت رياسة فوجير وليفيفر وسار بتلك القوة الكبيرة قاصدا دمنهور، فدخلها في اليوم التالي «10 مايو» وكان الجند الفرنساوي قد بلغ منه الحنق والغيظ مبلغا شديدا، فأخذ يفتك بالأهالي فتكا ذريعا، انتقاما على رأيهم للذين قتلوا من حامية دمنهور، قال «لاكروا» ما نصه: «ولما كان أهالي دمنهور قد اشتركوا في الثورة وضربوا مثلا سيئا لأهالي البحيرة لذلك قضي عليهم رجالا ونساء وأطفالا بالفناء قتلا بحد السيف، وأشعلت النار في دمنهور حتى احترقت عن آخرها، ولم يبق من دورها ومساكنها غير أطلال قائمة، وأحجار قاتمة، وجثث هامدة.»
وكان أول الهاربين الفارين من تلك الواقعة المحزنة ذلك التقي الورع صاحب الكرامات، والآيات البينات، الذي تحرسه الآلهة! وتغذيه الملائكة! ولا تميته السيوف! ولا تحرقه النيران! انتهز ذلك الكاذب المنافق فرصة دفاع الأهلين عن أولادهم وأعرضهم وما يمتلكون من حطام الدنيا، وفر مع جماعة من أتباعه على ظهور الخيل إلى حدود الصحراء من شمال مديرية البحيرة، تاركا وراءه أولئك المساكين يتجرعون غصص الموت، ويرون بأعينهم حشاشات أفئدتهم، وفلذات أكبادهم تذبح على شفار السيوف وتحترق في لهيب النار!
وجرم جره سفهاء قوم
فحل بغير جانيه العقاب
ولكن ذلك المفتون لم يسلم من يد القصاص العادل؛ لأن الجنرال لأنوس لم يكتف بتبديد شمل تلك القوى المهدوية، بل سار بقوة كافية لمطاردة الفارين حتى أدرك في العشرين من شهر مايو «المهدي المنتظر» عند الصحراء، وهناك اخترقت صدره رصاصة فسقط يتضرج في دمائه.
Bog aan la aqoon