Napoleon Bonaparte ee Masar

Axmed Xaafid Cawad d. 1369 AH
161

Napoleon Bonaparte ee Masar

نابوليون بونابارت في مصر

Noocyada

ولم يعلم الجبرتي، ولم يفهم الشيخ المهدي الذي حرر ذلك البلاغ المسجع، الغرض من العبارة التي روى فيها المنشور قتل أكثر من أربعة آلاف من عسكر الجزار بالسيف وبالبندق، وإلا لو علم الكاتب أو الناقل كيف كان ذلك أو على أية حالة، ولأي سبب قتلوا، لارتجف القلم في يد الأول ولاستعاذ بالله، ولما تركها الثاني تمر دون أن يعلق عليها بكلمة استهجان واستنكار! ويسأل كيف يتفق ذلك العمل الوحشي مع وصفه نابوليون ومقدار شفقته ومزيد رأفته ورحمته!!

5

ونحن وإن كنا وعدنا أن لا نطيل الكلام في أخبار الحملة السورية لاعتبارها صفحة من تاريخ قطر غير قطرنا، إلا أنه لا يمكن المرور بها دون الوقوف أمام ذلك الحادث العظيم التي امتلأت به صفحات الكتب الأوروبية، وكان موضوع مناقشة ومناظرة، واضطر نابوليون أن يبرر عمله فيه في الأيام الأخيرة من حياته.

وحكاية هذه المسألة أن نابوليون لما فتح يافا أباح لجنده تلك المدينة مدة يومين كاملين يفعلون بها وبأهلها ما يشاءون، وما أدرى لماذا فعل ذلك نابوليون، وهو يريد استجلاب الخواطر واكتساب ميول أهل الشام من مسلمين ونصارى؟ ولعله قد غاظه ما فعل حاكمها برسوله، أو لعله خسر في الواقعة بعضا من جند جيشه، وهو حريص عليه لقلة عدده، أو لعله أراد أن يعوض على الجنود ما قاسوه من المشقة في قطع فيافي الصحراء والاحتراق بشواظها، لكيلا يدب دبيب التذمر والشكوى من جراء ما يلاقونه من النصب والعناء، ولقد فعل جنده في تلك البلدة البائسة من الشرور والفضائح ما تقشعر له الأبدان حتى إن نابوليون نفسه كتب في تقريره الذي بعث به لحكومة الديركتوار: «إنه لم تتصور له فظائع الحرب مثلما ظهرت له في يافا»! وقد كتب الشيخ الدحداح، فيما عربه عن تاريخ فرنسا، وهو من المحبين للفرنساويين المادحين لهم فقال: «فإن شدة الحر وعتاد المحصورين أضرا بالفرنسيين وحملاهما أثقالا شديدة؛ ولذلك لما دخلوا المدينة حدث فيها ما تقشعر الأبدان من ذكره، فإن القتال الذي جرى في أسواق يافا كان قتالا لا يسوغ أن نسميه بشريا، فإن الشياطين لا تقدر أن تقوم بشر أعظم منه.»

فلما رأى نابوليون الشرور التي تجري في البلدة وخزه ضميره، وأرسل ضابطين من ضباطه لمنع الجنود عما يفعلون، فوجدوا أن طائفة كبيرة من جند الجزار ومن غيرهم قد تحصنوا في بعض المنازل والخانات وصاروا يدافعون عن أنفسهم دفاع المستميت، فطلب إليهم أولئك الضباط الفرنسيون أن يسلموا فأبوا إلا أن يؤمنوا على حياتهم، فأمنوا فسلموا سلاحهم وقبض عليهم كأسرى، وهنا اختلفت الروايات في عدد أولئك الأسرى، ففي رواية أنهم كانوا أربعة آلاف، وفي رواية أخرى أنهم كانوا ألفين فقط، والرواية الأولى أقرب إلى الصحيح بدليل ذكر هذا العدد في بلاغ نابوليون للمصريين.

6

وإلى القارئ حكاية ما جرى نقلا عن مذكرات بوريين: قال:

كنت أتمشى مع الجنرال بونابرته أمام خيمته، وإذ به قد أبصر ذلك الجمع المحتشد من الأسرى يسوقه الجند، فقبل أن يقع نظره على الضابطين اللذين بعث بهما أركان حربه التفت إلي بصوت يتهدج من الحزن قائلا: «ماذا يريدون مني أن أفعل بهؤلاء الرجال؟ هل عندي من الزاد ما يكفيهم؟ ألدي من السفن ما يلزم لنقلهم إلى مصر أو إلى فرنسا؟ لماذا أوقعوني في هذا المشكل.» وبعد أن أصاح بونابرته سمعا لما قاله الضابطان وهما بوهارنيه وكروازيه وبخهما توبيخا شديدا على سلوكهما، ولكن لا ينفع اللوم إذا لواقع أنه أصبح أمامنا أربعة آلاف أسير ويجب البت في أمرهم، ودافع الضابطان عن نفسهما بأنه أمرهما أن يوقفا تيار القتال، فكان جواب بونابرت «إنما أردت أن تمنعوا التعدي على النسوة والأطفال والعجزة والمستسلمين من الأهالي، ولكن لم أرد بذلك الجنود المسلحة، فلقد كان الأولى بكما أن تقتلاهم بدلا من أن تأتياني بهذا القدر من الأسرى المنكودي الحظ! فماذا تريدون أن أصنع بهم؟

قال كتاب الفرنساويين: إنه عقد مجلس حربي للبت في أمر أولئك الأسرى، وانقض على أنه لم يقرر رأيا حاسما، وانعقد مجلس آخر ولم يوفق لقرار، وطال الجدال والأخذ والرد، وانتهى الأمر بأن تقرر إعدامهم جميعا رميا بالرصاص وهم عزل من السلاح!!

ووصف «ميو» في تنفيذ ذلك القرار في أولئك البؤساء، مما تقشعر له الأبدان ويفتت الأكباد، ويندى له جبين الإنسانية خجلا، ويبقى ذكره في التاريخ وصمة عار للذين قاموا بذلك الجرم الفظيع والعمل الوحشي، حقا إن دفاع نابوليون عن نفسه في سانت هيلانة وجيه ومنطقي، وربما كان فيه شيء من العذر إذا لوحظ مركز الفرنساويين في ذلك الظرف، وإذا لوحظ أيضا أن بعض أولئك الأسرى، كانوا من الذين أقسموا بشرفهم العسكري أن لا يحاربوا الفرنساويين مدة عام بعد أن سمح لهم بونابرت بالخروج سالمين بسلاحهم من قلعة العريش، وسيرهم إلى داخلية البلاد، وأنه إذا أخلى سبيلهم ؛ لأنه لم يكن في استطاعته أن يبعث بهم إلى مصر، ولا إلى غيرها، ولا أن يعطيهم الغذاء اللازم لهم، فإنهم لا يعودون لقتال جيشه وتقوية عدوه، وفي دفاع نابوليون أو تبريره لذلك العمل قوله: «وإني مستعد أن أعيد ذلك العمل إذا وجدت في نفس الظروف التي كنت فيها، وكذلك كان يفعل الدوق ولنجتون الإنكليزي وغيره من القواد اللذين يوجدون في مثل ما وجدت فيه من الظروف.» ولكن على الرغم من كل دفاع وظروف حربية اضطرارية، فإن ذلك العمل إنما ينظر إليه، ويحكم عليه، من الوجهة الإنسانية، وحكمها في ذلك واحد لا يتغير، وهو أن قتل الأسرى العزل من السلاح الذين أمنوا على حياتهم، على لسان ضباط من الجيش، جريمة لا تغتفر وعار لا يمحى! وغريب دفاع بعض الكتاب الفرنساويين الذين كانوا مع الحملة مثل فيجوروسويون

Bog aan la aqoon