بسبب صدور هذه عنها وهي مقارنة لإعدام النفس كمالات يجب أن يكون لها ولا نجد شيئا مما يقال له شر بالأفعال إلا وهو كمال بنسبة الفاعل إليه وإنما هو شر بالقياس إلى السبب القابل له أو بالقياس إلى فاعل آخر يمنع عن فعله في تلك المادة التي أولى بها من هذا الفعل والظلم يصدر مثلا عن قوة طلابة للغلبة وهي الغضبية والغلبة هي كمالها ولذلك خلقت من حيث هي غضبية أعني خلقت لتكون متوجهة إلى نحو الغلبة تطلبها وتفرح بها فهذا الفعل بالقياس إليها خير لها وإن ضعفت عنه فهو بالقياس إليها شر لها إنما هي شر للمظلوم أو للنفس النطقية التي كمال كسر هذه القوة والاستيلاء عليها فإن عجزت عنه كان شرا لها - وكذلك السبب الفاعل للآلام والأحزان كالنار إذا أحرقت فإن الإحراق كمال النار لكنه شر بالقياس إلى من سلب سلامته بذلك لفقدانه ما فقد - وأما الشر الذي سببه النقصان وقصور يقع في الجبلة ليس لأن فاعلا فعله بل لأن الفاعل لم يفعله فليس ذلك بالحقيقة خيرا بالقياس إلى شيء: فأما الشرور التي تتصل بأشياء هي خيرات فإنما هي من سببين سبب من جهة المادة فإنها قابلة للصورة وللعدم سبب من الفاعل فإنه لما وجب أن تكون عنه الماديات وكان مستحيلا أن تكون للمادة وجود الوجود الذي يعني غناء المادة ويفعل فعل المادة إلا وأن يكون قابلا للصورة والعدم وكان مستحيلا أن لا يكون قابلا للمتقابلات. وكان مستحيلا أن تكون للقوى الفعالة أفعال مضادة لأفعال أخرى قد حصل وجودها وهي لا تفعل فعلها فإنه من المستحيل أن يخلق ما يراد منه الغرض المقصود بالنار وهي لا تحرق: ثم كأن الكل إنما يتم بأن يكون فيه مسخن وأن يكون فيه متسخن لم يكن بد من أن يكون الغرض النافع في وجود هذين يستتبع آفات تعرض من الإحراق والاحتراق كمثل إحراق النار عضو إنسان ناسك لكن الأمر الأكثري هو حصول الخير المقصود في الطبيعة والأمر الدائم أيضا أما الأكثري فإن أكثر أشخاص الأنواع في كنف السلامة من الاحتراق. وأما الدائم فلأن أنواعا كثيرة لا تستحفظ على الدوام إلا بوجود مثل النار على أن تكون حرقة. وفي الأقل ما يصدر عن النيران من الآفات التي تصدر عنها وكذلك في سائر الأسباب المشابهة لذلك فما كان يحسن أن تترك المنافع الأكثرية والدائمة لأغراض شرية أقلية فأريدت الخيرات الكائنة عن هذه الأشياء إرادة أولية على الوجه الذي يصلح أن يقال إن الله تعالى يريد الأشياء ويريد الشر أيضا على الوجه الذي بالعرض إذ علم أنه يكون ضرورة فلم يعبأ به فالخير مقتضى بالذات والشر مقتضى بالعرض. وكل بقدر وكذلك فإن المادة قد علم من أمرها أنها تعجز عن أمور
Bogga 237