الخير فإن هذه العناصر لو لم تكن بحيث تتضاد وتنفعل عن الغالب لم يكن أن تكون عنها هذه الأنواع الشريفة ولو لم يمكن النار منها بحيث إذا تأدت بها المصادمات الواقعة في مجرى الكل على الضرورة إلى ملاقاة رداء رجل شريف وجب إحراقه لم تكن النار منتفعا بها النفع العام. فوجب ضرورة أن يكون الخير الممكن في هذه الأشياء إنما يكون خيرا بعد أن يمكن وقوع مثل هذا الشر عنه ومعه وإفاضته الخير لا يوجب أن يترك الخير الغالب لشر يندر فيكون تركه شرا من ذلك الشر لأنه عدم ما يمكن في طباع المادة وجوده إذا كان عدمين شر من عدم واحد. ولهذا ما يؤثر العاقل الإحراق بالنار بشرط أن يسلم منها حيا على الموت بلا ألم فلو ترك هذا القبيل من الخير لكان يكون ذلك شرا فوق هذا الشر الكائن بإيجاده وكان في مقتضى العقل المحيط بكيفية وجوب الترتيب في نظام الخير أن يعقل استحقاق مثل هذا النمط من الأشياء وجودا مجوزا ما يقع معه من الشر ضرورة فوجب أن يفيض وجوده فإن قال قائل وقد كان جائزا في مثل هذا النمط من الوجود. وإن كان جائزا في الوجود المطلق على أنه إن كان ضرب من الوجود المطلق مبرأ فليس هذا الضرب وذلك مما قد فاض عن المدبر الأول ووجد في الأمور العقلية والنفسية والسماوية وبقي هذا النمط في الإمكان ولم يكن ترك إيجاده لأجل ما قد يخالطه من الشر الذي إذا لم يكن مبدؤه موجودا أصلا وترك لئلا يكون هذا الشر كان ذلك شرا من أن يكون هو فكونه خير الشرين ولكان أيضا يجب أن لا توجد الأسباب الجزئية التي هي نيل هذه الأسباب التي تؤدي إلى الشر بالعرض فإن وجود تلك مستتبع لوجود هذه فكان فيه أعظم خلل في نظام الخير الكلي بل وإن لم نلتفت إلى ذلك وصيرنا التفاتنا إلى ما ينقسم إليه الإمكان في الوجود إلى أصناف الموجودات المختلفة في أحوالها فكان الوجود المبرأ من الشر قد حصل وبقي نمط من الوجود إنما يكون على هذه السبيل ولا كونه أعظم شرا من كونه فواجب أن يفيض وجوده من حيث يفيض عنه الوجود الذي هو أصوب على النمط الذي قيل بل نقول من رأس إن الشر يقال على وجوه يقال شر للأفعال المذمومة ويقال شر لمباديها من الأخلاق ويقال شر للآلام والغموم وما يشبهها ويقال شر لنقصان كل شيء عن كمال وفقدانه ما من شأنه أن يكون له وكأن الآلام والغموم وإن كانت معانيها وجودية ليست إعداما فإنها تتبع الإعدام والنقصان والشر الذي هو في الأفعال أيضا إنما هو بالقياس إلى من يفقد كماله بوصول ذلك إليه مثل الظلم أو بالقياس إلى ما يفقد من كمال يجب في السياسة المدنية كالزنا وكذلك الأخلاق إنما هي شرور
Bogga 236