Ku Wajahan Falsafad Sayniska
نحو فلسفة علمية
Noocyada
ومن المشكلات الهامة التي أثارها أينشتين في نسبية الزمن، تحديد «الآنية» ما هو؛ ماذا نعني حين نقول عن حادثتين وقعتا في مكانين متباعدين إنهما وقعتا في آن واحد؟ إنهما تكونان كذلك إذا لم تكن إحداهما لا قبل ولا بعد الأخرى، ولكن ما وسيلتنا إلى معرفة ذلك؟
إنك لكي تعرف أن حادثة وقعت في مكان بعيد عنك، لا بد لك من رسالة أو إشارة تأتيك من هناك لتدلك على أن تلك الحادثة قد وقعت، كما يأتي صوت الرعد وضوء البرق، لكن وصول هذه الإشارات إلى حواسك لم يكن في نفس اللحظة التي وقع فيها الحادث؛ إذ لا بد للإشارة الصوتية أو الضوئية من زمن تستغرقه في الانتقال من مكان وقوع الحادثة إلى مكان استقبالها، فكيف تقيس سرعة انتقال هذه الإشارات؟ ولنحصر سؤالنا فنقول: كيف نقيس سرعة الضوء؟ هل نرسل إشارة ضوئية من مكان إلى مكان آخر، ثم نسجل زمن صدورها وزمن وصولها لنعرف المدة المستغرقة في انتقالها، ونقسمها على المسافة بين المكانين فتكون السرعة؟ لكن ذلك يقتضي أن تكون هنالك ساعتان؛ إحداهما عند مكان الإرسال وأخرى عند مكان الوصول، ولا بد من ضبط الساعتين إحداهما على الأخرى لنعرف أنها يدلان دلالة واحدة على طول فترة من الزمن، وهذا نفسه يقتضي أن نعرف كيف نحدد الآنية لحادثين يقعان في مكانين متباعدين. وهكذا نقع في الدور، أردنا أن نحدد معنى الآنية فلجأنا إلى قياس سرعة الضوء، ثم أردنا قياس سرعة الضوء فلجأنا إلى الآنية.
هنا قد يقال: ولماذا نستخدم ساعتين لتسجيل وقت إرسال الإشارة الضوئية ووقت وصولها؟ لماذا لا نستخدم ساعة واحدة، فنرسل شعاعا من الضوء من مكان ما ونجعله ينعكس على مرآة في المكان الآخر فيرتد إلينا؟ وبهذا فمن نقطة واحدة نستطيع أن نسجل بساعة واحدة لحظة الإرسال ولحظة وصول الشعاع المرتد، ونقسم المدة بين اللحظتين نصفين، فيكون نصف المدة قد استغرق في وصول الإشارة الضوئية من مكان إصدارها إلى مكان وصولها؛ وبهذا نستخرج سرعة الضوء. قد يقال هذا، ولكن في هذا افتراضا بأن سرعة الضوء في الذهاب هي نفسها سرعتها في الإياب، مع أنه لا وسيلة لدينا لمعرفة ذلك، ولو أردنا معرفة تساوي السرعة في الاتجاهين فلا بد من ساعة ثانية توضع في مكان الوصول؛ ومن ثم نعود إلى المشكلة التي اعترضتنا منذ حين.
إننا إذ نرى لمعة البرق نفرض في شيء من التجوز أن لحظة استقبالنا للمعة الضوء هي نفسها لحظة إرسالها، معتمدين في ذلك على أن الضوء أسرع جدا من أن يكون لزمن انتقاله من موضع السحاب إلينا أثر ملحوظ؛ فإذا أردنا بعد ذلك أن نقيس سرعة الصوت - صوت الرعد - حسبنا الفترة بين رؤيتنا للمعة ضوء البرق وبين سمعنا للصوت، وجعلناها هي الفترة التي استغرقها الصوت في انتقاله من السحاب إلينا، وقسمنا الزمن على المسافة فيكون لنا بذلك سرعة الصوت؛ أي إننا نعتمد في حساب سرعة الصوت على وصول إشارة الضوء إلينا.
ولو كان في الطبيعة نوع آخر من الإشارات أسرع من الضوء نفسه بدرجة كبيرة، بحيث إذا جاءتنا إشارة منها من مصدر بعيد جاز لنا أن نهمل زمن انتقال الإشارة من مصدرها إلينا، وأن نجعل زمن وصولها هو نفسه زمن انبعاثها، أقول لو كان هنالك إشارات كهذه أسرع من الضوء لأمكن أن نقيس سرعة الضوء إليها، لكن الضوء هو أسرع ما في الطبيعة؛ وإذن فليس هنالك ما نقيس إليه سرعة الضوء، بحيث لو فرضنا أننا أرسلنا إشارة ضوئية إلى المريخ ثم انعكست إلينا، ثم لو فرضنا أن الإشارة في ذهابها وإيابها قد استغرقت عشرين دقيقة مقيسة بساعاتنا على الأرض، لما استطعنا أن نعرف معرفة مطلقة الصدق متى وصلت إشارتنا إلى المريخ؛ إننا لا نستطيع ذلك لأنه لا يجوز لنا أن نقول إنها ذهبت في نصف المدة وعادت في نصف المدة الآخر؛ إذ لا يجوز لنا أن نفرض أن سرعة الضوء في ذهابه هي نفسها سرعته في إيابه؛ ومعنى ذلك أن لحظة الوصول إلى المريخ قد تكون أي لحظة في العشرين دقيقة؛ فقد يكون الذهاب قد تم في خمس دقائق والإياب في خمس عشرة، وقد يكون الذهاب في عشر والإياب في عشر، وقد يكون الذهاب في خمس عشرة والإياب في خمس وهكذا؛ فليس إذن في وسعنا أبدا أن نقول عن أية حادثة مما قد وقع على الأرض خلال العشرين دقيقة إنها متآنية مع لحظة وصول الإشارة الضوئية إلى المريخ؛ وهذا هو ما يسميه أينشتين بنسبية الآنية. وخلاصة القول أنه ليس في الكون زمن مطلق بحيث نقول عن الكون كله معا إنه في لحظة زمنية واحدة؛ أي إنه كله في آنية؛ لأن هذه الآنية نفسها نسبية.
المكان والزمان كلاهما نسبيان، فليس هذا ولا ذاك كائنا مطلقا ذا حقيقة ثابتة، بل وليسا نسبيين بمعنى أنهما ذاتيان يحسهما كل منا على نحو خاص به، بل هما نسبيان بمعنى آخر، وهو أنه من الممكن عقلا أن نرتب الحوادث على عدة صور زمنية وعدة نسقات من الترتيب المكاني، أما أي هذه الصور والنسقات هو الذي يطابق الواقع فعلا، فأمر موكول للتجربة وحدها .
3
حل الاحتمال محل اليقين في العلوم الطبيعية (راجع الفقرة 4 من الفصل السابع)، وأثبت التحليل الحديث أن يقين الأحكام الرياضية ناشئ من كون هذه الأحكام تكرارية لا تضيف شيئا في النتائج عما كان متضمنا في المقدمات (راجع الفصل السادس). وأظهر التطور أن العالم متغير أبدا؛ فهو فعل دائب وليس هو بالحالة السكونية التي تخيلها أفلاطون في عالم المثل. وجاءت النسبية والطبيعة الذرية في عصرنا الحديث فقضت على كل تصور يجعل من الكون حقيقة مطلقة في طبيعته أو في مكانه وزمانه.
وكذلك الأمر في عالم القيم الجمالية والأخلاقية؛ فقد زال عنه سراب اليقين الرياضي الذي كان الفلاسفة يلتمسونه فيه، وكشف التحليل المنطقي للأحكام الدالة على قيم أنها ليست من المعرفة إطلاقا، فضلا عن أن توصف بما يوصف به أدق أنواع المعرفة من يقين.
وأول من حاول من الفلاسفة أن يسلك الأخلاق مسلك العلوم الرياضية اليقينية هو سقراط، الذي لم يدخر وسعا في بيان الجانب العلمي من الفضيلة؛ فليست هي بالأمر الذاتي الذي تشكله الأهواء كيف شاءت، بل هي - كعلم الهندسة سواء بسواء - يمكن استدلالها استدلالا منطقيا من البديهيات كما قد فعل إقليدس في الهندسة؛ فالفضيلة عنده علم والرذيلة جهل؛ بمعنى أنك تستطيع أن تعرف الشجاعة - مثلا - كما تعرف المثلث، ومن التعريف تستخرج كل ما يترتب عليه، وحيث يقع الخطأ في هذه العملية العقلية يكون الضلال عن الجادة المستقيمة ويكون ما نسميه بالرذيلة، أما إذا استقام المنطق من أول الشوط إلى آخره فيستحيل ألا يؤدي بصاحبه - في الأخلاق وفي الرياضة على السواء - إلى نظريات صحيحة؛ وبالتالي إلى سلوك صحيح. وكما أن النظريات الهندسية الصحيحة صحيحة بالنسبة للبشر أجمعين أيا ما كان زمانهم ومكانهم، فكذلك النظريات الخلقية الصحيحة صحيحة بالنسبة للبشر أجمعين في كل مكان أو زمان.
Bog aan la aqoon