قلت: سأذكر إن شاء الله هذا السؤال مقررا، والجواب مبينا مفسرا بعد نجاز الأدلة، كما هو دأب السادة الأئمة، على أني أقول: لو صح السؤال المذكور، واقتضى اندفاعه أن لا يكون فيما نحن فيه / عرف أن للشافعي 9 ب في ذلك قولين، لزم القائل بمذهبه، المقلد له أن يقول بطرد مثل ذلك في كل ما تعارض فيه أصلان، أو أصل وظاهر، إلا أن يوجد لصاحب المذهب نص لا يقبل التأويل في بعض الصور، فتوقف فيها، ولا جرم، قال الأصحاب فيما إذا حلف على زوجته بالطلاق أن لا تخرج إلا بإذنه، فخرجت، وادعى أنه أذن لها؛ ليدوم النكاح، وأنكرت الإذن، ففيمن القول قوله منهما؟ فيه وجهان مخرجان من تقابل الأصلين، فإن الأصل عدم الإذن، والأصل بقاء الزوجية، والأول هو الذي أورده الجمهور، وكذا ذكروا الوجهين، فيما إذا قال: أنت طالق إن لم يدخل زيد الدار، أو إن لا يدخل زيد الدار، فمات زيد، وأشكل الحال هل دخل أم لا، وكذا ذكروهما فيما إذا قال: لا أدخل / الدار إلا أن يشاء زيد، ثم 10 أدخل، ومات زيد، ولم يدر، هل شاء زيد ذلك أم لا، والذي نص عليه الشافعي في هذه، كما قال الغزالي في كتاب الإيمان، عند الكلام فيما إذا حلف ليضربن عبده مائة خشبة الحنث؛ نظرا إلى أن الأصل عدم المشيئة، ولا سبب يظهر به وجودها، قال: وهذا إذا حلف على ضرب مائة خشبة، فضربه بها دفعة واحدة، وشك هل وصل إليه ألمها أم لا، فإنه نص على البر، وإن كان الأصل عدم الإصابة والألم، لأن الضرب هاهنا سبب ظاهر في ذلك، وإلى الحنث عند الجهل بمشيئة زيد، ذهب الجمهور من الأصحاب، وإذا صاروا إليه حيث لا قرينة، ولا ظاهر يعتضد به الأصل المذكور، وهو عدم المشيئة فلا يعارضه، فمصيرهم إلى مثله عند وجود ظاهر يعضده من طريق الأولى/ 10 ب وذلك موجود في مسألتنا، لأنا نقول: الأصل عدم وجود البيع والكنائس الموجودة الآن بالقاهرة، حال فتح البلاد، والظاهر الذي قررناه يعضده، فكان مقتضى قول الجمهور أن يناط الحكم به، إلا أن يأتي المعاندون بحجة تدفع ذلك، بل نقول: إن ذلك يجب القطع به، مع ملاحظة أصل الشافعي المذكور، من إجراء الخلاف عند تقابل أصلين، أو أصل وظاهر، وهذا هو الوجه الثالث في الاستدلال، وإنما قلت ذلك لأن محل القولين إذا لم يكن مع أحد الأصلين، أو الظاهر ما يعتضد به، أما إذا كان، فالعمل بالمرجوح متعين، يدل على ذلك من كلام الغزالي أمران:
Bogga 16