Nafaa'iisha Caddaymaha Burburinta Kaniisadaha
النفائس في أدلة هدم الكنائس
Noocyada
كتاب النفائس في أدلة هدم الكنائس
الإمام أبو العباس [أحمد] بن الرفعة الشافعي رضى الله تعالى عنه
[المقدمة العامة]
بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر.
قال سيدنا و مولانا الشيخ الإمام حجة الإسلام مفتي الأنام جمال الأمة علم الائمة اقضى القضاة، شمس الشريعة، فريد دهره و نسيج وحده نسجة نجم الدين شيخ المصنفين ولى أمير المؤمنين ابو العباس احمد بن محمد بن علي بن الرفعة الأنصارى الشافعى أفاض الله عليه ملابس فضله الجزيل وتلك ملابس لا تسمل ولا تبلى وابقاه بقاء ذكره الجميل ليملأ الأرض علما وعدلا.
الحمد لله العلي الكبير اللطيف الخبير القائل في كتابه المنير يايها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير وصلى الله على سيدنا محمد البشير النذير وعلى آله واصحابه اولى العلم الغزير والفضل الأثير
أما بعد فإن قوام الدين وشعار المتقين اتباع سنن الأنبياء المقربين صلوات الله عليهم اجمعين واقتفاء آثار العلماء المنتجبين ومجانبة الأعداء والجاحدين أهل الشقاق المعاندين قال الله تعالى وهو أصدق القائلين لسيد المرسلين وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين وقال له بعد ذكر جماعة من السادة الأنبياء تنبيها وتحريضا لنا على الإقتداء أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وخاطب عباده الأصفياء الانقياء فقال يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء وقال لهم في معرض الإرشاد والتبيين يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين. فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى ان تصيبنا دائرة فعسى الله ان يأتى بالفتح أو أمر من عنده. فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين
وإذ ورد هذا التخصيص والتحديد تعين إتباع كل من الأمرين وبما انه على ذى اللب الخبير العالم بأنه يسل عن الفتيل والنقير والقطمير ويجازى مما عمل من خير جليل او حقير كيف ومن المعلوم عند ذوى البصائر فيما يقرونه وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ليبيننه للناس و لا يكتمونه وقد أعان بفضل الله ورحمته على ذلك في هذا الأوان من أعز الله به الدين ورفع به عنه الهوان وأحل بمعانديه لباس الذل والصغار في كل مكان ورفع لمن أعان على ذلك بسببه أعلى الغرف في الجنان وكتب له برحمته على ما أولى من نعمته توقيع الأمان فتأكد على المنصوب لإظهار المعروف وإنكار المنكر إطلاق العنان والمجاهدة لأعداء الله بالحجة والبرهان لقوله تعالى في محكم القرآن يا معشر الجن والإنس إن استطعتم إن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فأنفذوا لا تنفذون إلا بسلطان و من أهم ما يبدأ به من الإنكار على أهل الملتين [من الكفار] اليهود والنصارى الفجار فيما ينسب إليهم من البيع والكنائس بهذه الديار خصوصا بالقاهرة التي إتفق القاصي والدانى على أنها بلدة إسلامية أنشأها المعز في القرن الرابع من الهجرة النبوية قيل وكان ذلك في سنة اثنين وستين وثلثمية. وزعم المعاندون والفجار أن ما بها من ذلك كان قبل الفتح ووقع عليه الصلح فلا يجوز ان تعرض إليه بإنكار فعند ذلك إستخار الله العظيم الحليم الكريم العلى العظيم العبد الفقير إلى رحمة ربه الرحيم الراجى هدايته ونفعه، أحمد بن محمد بن علي بن الرفعة في إستخراج ما تقتضيه قواعد مذهبه وفروع مهذبه وهو مذهب الامام الشافعي المطلبى محمد بن إدريس القائم في الله حق القيام في التصنيف والفتوى والتدريس فقال بفضل الله العميم.
[المقدمة الخاصة]
بسم الله الرحمن الرحيم.
Bog aan la aqoon
الدليل على رد ما ذكر في القاهرة المعزية من الدعوى التي لا يظهر إن شاء الله بعونه وقوته لها جدوى من كلام الشافعي — رحمه الله — وأصحبه النص والفحوى وذلك من خمسة أوجه نبينها إن شاء الله معتصمين بحبله الأقوى عاملين بقوله تعالى وتزودوا فإن خير الزاد التقوى وذلك بعد الإفتتاح مما يحتاج الى ذكره في الجملة من آى الكتاب ومأثور السنة فمن ذلك قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا وقوله صلى الله عليه وسلم لو أعطى الناس بدعواهم لأدعى ناس دماء ناس وأموالهم لكن البينة على المدعى والمبين على المدعى عليه اخرجه مسلم والبخارى بمعناه.
| [الوجة الاول]
قال [أبو المعالي الجويني] إمام الحرمين في النهاية "وما تضمنه الخبر قاعدة متفق عليها بين الأمة فإن وقع نزاع فهو يؤوك الى تعيين المدعى والمدعى عليه" ومن هاهنا نخرج إلى ذكر الوجه الأول من الأدلة.
فنقول قد إختلفت نصوص الشافعي — رحمه الله — في حد المدعى الذي قال صلى الله عليه وسلم أنه محتاج إلى البينة والمدعى عليه الذي لا يحتاج اليها فنقل عنه أصحابه ومنهم صاحب الإبانة [عن اصول الدينية لأبو الحسن الاشعري] إنه قال مرة المدعى هو الذى يدعى خلاف الاصل والمدعى عليه من يكون قوله على وفق الأصل. وقال مرة [المدعى] هو الذي يدعى خلاف الظاهر والمدعى عليه من يوافق قوله الظاهر. وقال مرة المدعى من يخلى وسكوته والمدعى عليه من لا يخلى وسكوته. وقد حكي ذلك كله الغزالي في كتاب النكاح وكتاب الدعاوى وخرج هو وغيره من الأصحاب عليه فروعا، منها ما اذا إختلف الراهن والمرتهن في أن العصير المشروط رهنه في البيع هل قبض بعد إنقلابه خمرا أم لا كما هو مبين في الوسيط والنهاية — تم. ومنها إذا اسلم الزوجان المشركان قبل الدخول، فقال الزوج أسلمنا معا، فالنكاح بحاله. وقالت المرأة بل اسلم أحدنا قبل الآخر فزال النكاح بإسلامه. فقالوا إن قلنا ان المدعى من يدعى خلاف الظاهر فهو الزوج لأن الظاهر عدم إتفاق الإسلامين في وقت واحد، فيكون القول قول المرأة لأن الظاهر معها فتكون هي المدعى عليه. وإن قلنا أن[ه هو] الذي يخلى وسكوته فالمرأة مدعية لأنها لو سكتت لدام النكاح، والزوج مدعا عليه فيكون القول قوله من غير بينة. وكذا ان قلنا أن المدعى من يدعى خلاف الأصل فهو المرأة ايضا لأن الأصل عدم تقدم إسلام أحدهما على الآخر وإذا كانت مدعية كان الزوج مدعا عليه فيكون القول قوله من غير بينة. ولأجل تظافر القولين على كونه مدعا عليه، كان هو الراجح في المذهب. وإذ عرفت قاعدة الشافعى — رحمه الله — في حد المدعى الذي ذات [عليه] السنة النبوية على أنه لا تقبل دعواه إلا ببينة والمدعا عليه الذي لا يفتقر إلى بينة. قلت وجب على المتبع له والمقلد لمذهبه أن يخرج ما يقع من الفروع غير المنصوصة عليها كما خرج أصحابه الفرع الذي أسلفناه وغيره عليها، بل بعضهم يقول أن القولين في ملة الإسلام منصوصان، ومنهما خرج الخلاف في الأصل المذكور.
وعند ذلك نقول أن قلنا أن المدعى من يدعى خلاف الأصل [المذكور] فأهل العناد المظهرون في الأرض الفساد هم المدعون لأنهم يدعون أن الكنائس التي بالقاهرة احدثت قبل الفتح والأصل عدم حدوثها فيما مضى من الزمان إلى الوقت الذي وقع الإتفاق على الحدوث فيه، وكذا هو في جميع الحادثات. ولذلك قال الشافعي — رحمه الله — أو جل أصحابه أن الرجل إذا طلق إمرأته وإتفقا على وجود صورة ما تنقضى به العدة في وقت بعينه، وقال الزوج كنت راجعت قبل ذلك، إن القول قول المرأة في عدم الرجعة لأن الأصل عدمها في ذلك الزمان. فلو إنهما إتفقا على وجود صورة ما تحصل به الرجعة في وقت معين، وقالت المرأة كانت عدتى قد انقضت قبل ذلك، وأمكن أن يكون ذلك إن القول قول الزوج مع أن الشرع جعل قولها مقبولا في انقضاء عدمها. وما ذلك أيضا كما قالوا إلا أن الأصل عدم الإنقضاء في الزمان الماضى فيبنى الحكم عليه. وقالوا أيضا إذا غصب إنسان عبدا وتلف في يده وأختلفا في قيمته، فقال مالكه كان كامل الأعضاء حين الغصب وقال الغاصب بل كان بعض أطرافه قد زال إن القول قول المالك على الأصح. وما ذلك إلا نظرا للأصل وإذا لاحظت ذلك وجدت إعتماد الأصول عندنا في الفروع أمرا بينا وإن قلنا أن المدعى من يدعى خلاف الظاهر.
فأهل العناد هم المدعون أيضا لأن الظاهر من حال ملك مغربي مالكي نشأ في بلاد ليس فيها بيعة ولا كنيسة ولا ما يشاكل ذلك وقد تملك مملكة جديدة وأراد أن ينشى بها بلدة فيستوطنها وتعرف به وتنسب إليه، أن لا يفعل ذلك في محل يكون شيء من ذلك. كيف وما ربى عليه وألفه يأباه، وطبعه ينفر منه ويقلاه. والبعد من الكفار مندوب اليه ومحثوث عليه والمغاربة إلى إتباع السنن مائلون وعن خلافها حائدون ولمجاهرة الكفار بالمعاداة مظهرون وهذا دأب كل ذى طبع سليم وحبر عليم وقد حكى عن الإمام ملك بن أنس — رحمه الله — أنه قوى عنده إتباع الظهور فقال ”لا تسمع دعوى الخسيسين على الشريف إذا لم يكن عنهما سبب في الظاهر لأن الظاهر يكذبه في دعواه“ وحكى عن أبي سعيد الاصطخري من أصحابنا ما يقرب من ذلك، إذ قال فيما حكاه الإمام عنه ان الرجل من السفلة إذا أدعى معامله رجل عظيم القدر في أمر يبعد وقوعه، فدعواه مردودة. ومثل ذلك بما إذا أدعى الرجل الخسيس أنه أقرض ملكا مالا او نكح ابنته أو أستاجره لسياسة دوابه أو ما جرى هذا المجرى. وهذا منه غلق في إتباع الظهور لم يوافقه عليه غيره من الأصحاب لأجل إطلاق الخبر وإنما ذكرته ليعلم.
وإن قلنا أن المدعى من يخلى وسكوته فتج وز أن يقال أن أهل الشقاق هم المدعون أيضا ويجوز أن يقال بخلافه وحينئذ. فيكون قد توافق على أنهم مدعون قولان وقضية ترجيح قبول قول المرأة في المسألة السالفة ليوافق قولين من أقوال الشافعي على أن المدعى هو الزوج أن يكون ذلك هو المرجح في المعاندين أيضا بل أولى لأنه لم يظهر القطع بأنا إذا قلنا أن المدعى هو الذي يخلى وسكوته لا يكونون كذلك وبالجملة. فمن ذلك يخرج أن الشافعي— رحمه الله —[فيهم] بمقتضى أصله هذا قولين في أنهم مدعون أو مدعا عليهم. فإن قلنا هم المدعون وجب عليهم إقامة الحجة على ما يذكرونه عملا بقوله صلى الله عليه وسلملكن البينة على المدعى وإن قلنا أنهم مدعا عليهم كانت الحجة علينا وسنذكرها إن شاء الله تعالى.
الكلام في شيء ليس في يد واحد منهما أما إذا كان في يد أحد المتكالمين فهو المدعى عليه جزما.
قلت لا أسلم ذلك. إن كلامه مطلق وتخريج أصحابه الخلاف في مسألة إسلام الزوجين على الخلاف المذكور. يؤيد ذلك فإن الزوجة بالنسبة إلى النكاح في حكم من هي في يد الزوج. بل قد بالغ بن الحداد المصري فقال لو كان في يد إنسان صغيرة فأدعى زوجيتها جعل القول قوله كما لو أدعى رقها وهي مجمولة الحرية. لكن هذا القول منه مستبعد وأيضا فقد قال الأصحاب أن قبول قول المودع في التلف ونحوه على خلاف القياس لأنه مدع وقولهم ذلك يدل على أن الدعوى تكون ممن العين في يده. وإن قيل المراد باليد اليد الشرعية وهي على الوديعة للمالك. قلت حينيئذ تخرج المسألة من أيديكم لأن النزاع بيننا وبين أهل العناد في أن اليد الشرعية هل وجدت أم لا.
اليد الصورية حملا لها على الوضع بالحق وذلك موجود في محل النزاع.
Bog aan la aqoon
[الوجة الثاني]
قلت سأذكر إن شاء الله هذا السؤال مقررا وجوابه مبينا مفسرا بعد نجاز الأدلة كما هو دأب السادة الأئمة على أني أقول لو صح السؤال المذكور وأقتضى إنتفاعه أن لا يكون [فيما] نحن فيه [تخريج خلاف من الأصل المذكور لم يعدم أصلا اخر للشافعي — رحمه الله — يخرج منه. وهو الوجه الثاني من الأدلة فنقول للشافعي — رحمه الله — قولان مشهوران فيما إذا تعارض في الواقعة أصلان او أصل وظاهر فمن الأول ما إذا قد ملفو فا نصفين وأشكل بعد ذلك حاله هل كان حين القد حيا او ميتا فقال القاد كان ميتا ولا قود علي ولا غرم وقال وارث المقدود بل كان حيا و قد قتلته فعليك بموجب قتلك فهل القول قول القاد لأن الأصل براءة ذمته او القول قول الوارث لان الأصل الحياة؟ فيه قولان مشهوران أصحهما عند طائفة أولهما وهو الذي اقتصر عليه الشافعي — رحمه الله — في [كتاب] الأم في باب دعوى الدم ومن الثاني طين الشوارع وثياب القصابين ونحوه، هل يحكم فيه بالنجاسة بناء على الظاهر او بالطهارة بناء على انها الأصل، فيه قولان للشافعي — رحمه الله — جاريان في المقابر المشكوك في نبشها، والأصح ايضا عند الجمهور الطهارة نظرا للأصل وتصحيحه بناء بأن الزوج لو أدعى النفقة على المرأة وهو يعاشرها زمانا طويلا. وانكرت، ان القول قولها لان الأصل عدم الإتفاق عليها وإن كان الظاهر وجوده وقد ذهب بعض أصحابنا في مسألة المقدود الى هيئة ثيابه فإن كان ملفوفا في ثياب الأحيء فالمصدق الولي، وان كان في الكفن فالمصدق القاد وهذا يجوز ان يكون لانه اعتمد في ذلك على الظاهر دون الأصل ويجوز ان يكون لأخل ان الظاهر قد اعتضد به أحد الأصلين فقوي به والكلام في ذلك بين أيدينا وإذا] عرف أن للشافعى في ذلك قولين لزم القائل بمذهبه المقلد له إن يقول يطرد مثل ذلك في كل ما تعارض فيه أصلان أو أصل وظاهر إلا أن يوجد لصاحب المذهب نص لا يقبل التأويل في بعض الصور فتوقف فيها ولا جرم. قال الأصحاب فيما إذا حلف على زوجته بالطلاق أن لا تخرج إلا بإذنه فخرجت وأدعى أنه أذن لها ليدوم النكاح وانكرت الإذن ففي من القول قوله منهما فيه وجهان يخرجان من تقابل الأصلين. فإن الأصل عدم الإذن والأصل بقاء الزوجية. والأول هو الذي أورده الجمهور وكذا ذكروا الوجهين. فيها إذا قال أنت طالق أن لم يدخل زيد الدار أو أن لا يدخل زيد الدار فمات زيد وأشكل الحال هل دخل أم لا وكذا ذكر. فمما فيها إذا قال لا أدخل الدار إلا أن يشآء زيد ثم دخل ومات زيد ولم يدرهل شآء زيد ذلك أم لا. والذى نص عليه الشافعي في هذه كما قال الغزالي في كتاب الإيمان عند الكلام فيها إذا حلف ليضربن عبده مائة خشبة الحنث نظرا إلى أن الأصل عدم المشيئة ولاسبب يظهر به وجودها قال وهذا إذا ما حلف على ضرب مائة خشبة فضربه بها دفعة واحدة وشك هل وصل إليه ألمها أم لا. فإنه نص على البر وإن كان الأصل عدم الإصابة والألم لأن الضرب هاهنا سبب ظاهر في ذلك وإلى الحنث عند الجهل بمشيئة زيد ذهب الجمهور من الأصحاب. وإذا صاروا إليه حيث لا قرينة ولا ظاهر يعتضد به الأصل المذكور، وهو عدم المشيئة، فلا يعرضه فمصيرهم إلى مثله عند وجود ظاهر يعضده من طريق الأولى. وذلك موجود في مسألتنا لأنا نقول الأصل عدم وجود البيع والكنائس الموجودة الآن بالقاهرة حال فتح البلاد والظاهر الذى فردناه يعضده فكان مقتضى قول الجمهور أن تناط الحكم به ألا أن يأتى المعاندون بحجة تدفع ذلك. بل نقول أن ذلك يجب القطع به مع ملاحظة أصل الشافعي المذكور من أجزاء الخلاف عند تقابل أصلين أو أصل وظاهر وهذا هو الوجه الثالث في الإستدلال وإنما قلت ذلك لأن محل القولين إذا لم يكن مع أحد الأصلين أو الظاهر ما يعتضد به، أما إذا كان فالعمل بالمرجح متعين يدل على ذلك من كلام الغزالي أمران أحدهما قوله في كتاب العتق ضمن فرع أوله إذا أختلفا في قيمة العبد وفات العبد إذا أدعى إلى المعتق نقصان القيمه بسبب نقيصة طارئة فالأصل عدم النقص والأصل براءة الذمة، فيخرج على تقابل الأصلين وليس معنى تقابل الأصلين إستحالة الترجيح بل يطلب الترجيح من مدرك آخر سوى إستصحاب الأصول فإن تعذر. فليس إلا التوقف أما تخيير المفتى بين مناقضين فلا وجه له وقد رأيت في الحاوى [الكبير للماوردي] حكاية التخيير وجها عن بعض الأصحاب وهو يحكى عن القاضى أبي بكر وأبي على وأبي هاشم لكنه مستبعد عند الأصحاب، وما قاله [المصدق] الغزالي قد حكاه [أبي القاسم عبد الكريم] الرافعي [القزويني] ملخصا عن الإمام. والأمر الثانى قوله في كتاب الرهن إذا أذن الراهن للمرتهن في بيع الرهن وباع الراهن ورجع المرتهن فأدعى أنه رجع قبل بيعه فالأظهر أن القول بأن الاصل عدم الرجوع ويعارضه أن الاصل عدم البيع فيبقى أن الأصل إستمرار الرهن وبسط ذلك أن أحد الأصلين عارضه الأصل الآخر فتعلل وبقى أصل آخر خاليا عن المعارضة فعمل به، والأولى أن يقال إذا أجتمع في جانب أصلان متوافقان أو أصل وظاهر ]و[في جانب آخر يعارض ذلك أصل وظاهر فقط أن لا تعارض لأن شرطه التساوى ولا تساوى. ولكن يعمل بالراجح إذا العمل به متعين شرعا وعقلا وبالجملة فكل من الأمرين يوافق قولا للشافعي. فإنه ذكر فيها إذا تعارضت بينة الداخل والخارج أنه تقضى للداخل لكن هل قضى له لترجيح بينته بيده أو لأجل أن بينته عارضت بينة الخارج؟ فتساقطنا وبقيت اليد خالية عن المعارضة. فعمل بها كما لو لم تكن بينة أصلا فيه قولان يظهر أثرهما في إحتياج الداخل إلى اليمين. فعلى الأول لا يحتاج وعلى الثانى يحتاج فإذا تقرر ذلك قلنا ما نحن فيه كذلك إن سلم ما يدعيه المنازع من كون الظاهر من الأيدى إنها موضوعة بحق كما وعدنا بذكره بعد نجاز الأدلة وثم يتم تقرير هذا الوجه من الدليل ان شاء الله تعالى.
[الوجة الرابع]
والوجه الرابع من الأدلة وهو الذى يظنه أكثر فقهاء الملة أنه لا ينكر أن إحتمال إحداث البيع والكنائس بالقاهرة المحروسة بعد بناءها يمكن كما أنه يمكن أن تكون موجودة قبل ذلك وحينئذ. فأما أن يدعوا أن إيجادها في أمكنتها كان قبل الفتح أو بعده. فإن كان بعده فذلك منقوض بإتفاق من أصحابنا وإن كان قبله فالصحيح كما حكاه النقلة الذين يرجع إلى قولهم في نقل المذاهب التي يجب على المقلدين العمل بها، والفتوى أن البلاد فتحت عنوة.وحكاه شيخ الأنام قاضى القضاة تقي الدين أبو الفتح [محمد] القشيري [إبن دقيق العيد] عن نص مالك [إبن أنس] رضى الله عنه في المدونة [الكبرى] وما فتح عنوة وكان فيه حين الفتح بيع وكنائس ونحوها لا يجوز مصالحة أهل الذمة على إقرارها بالجزية على الصحيح من الوجهين في الوجيز والوسيط والنهاية والمنهاج [الطالبين وعمدة المفتين في الفقه لأبو زكريا محيي الدين بن شرف النووي] والمحرر [في فقه الإمام الشافعي للرافعي]، وأنه يجب هدمها لأن المسلمين قد ملكوها بالإستيلاء فيمتنع جعلها كنيسة. وعليه يطبق نص الشافعي — رحمه الله — في [كتاب] الأم في سير الواقدي في الجزء الخامس عشر فكل بلدة فتحت عنوة فأرضها ودارها كدنانيرها ودراهمها، وهكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر وبني قريظة بإتفاق لا يجوز للإمام يترك لهم الدنانير والدراهم في معاملة عقد الذمة. فكذا لا يجوز أن يترك لهم الكنائس وقد ملكها المسلمون لأجل عقد الذمة ثم تركها لهم لا يجوز أن يكون على وجه الهبة لما لا يخفى ولا عمل وجه المعارضة لأجل عقد الذمه لأن البذل يكون منهم لا منا فلم يبق إلا جعلها من مدة لهم لأجل المصلحة وملك الغانمين لا يجوز أن يعطل عليهم لأجل وجه المصلحة. ولهذا لما إختلف قول الشافعي في كون أراضى الفىء تكون موقوفة لم يختلف في أن ما فتح عنوة لا يكون موقوفا وعمر رضى الله عنه إنما وقف أرض السواد إذ قال أنها وقف بعد استطابة قلوب الغانمين أو لإجتهاد رآه وهو قوله لولا آخر المسلمين لقسمت الأراضي كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأجل ذلك والله أعلم.
الفتح لوجب نزعها منهم إلا أن يتصل بالصلح المذكور حكم [حاكم] ممن لا يجوز نقض حكمه فعليهم إثباته إن أدعوه وأرادوا الإبقاء.
[الوجه الخامس]
والوجه الخامس في الإستدلال على الخصوم وهو عندي أظهرها وأحلاها وأعلاها وأسناها مع تسليم إحتمال الوجود قبل الفتح وبعده. وإنما قلت ذلك لأنه لا ينكر أن إمكان الحدوث لذلك بعد الفتح وقبله موجود، وإذا كان كذلك فالموجود الآن من أهل الملتين في هذه الديار [من] اليهود وأهل الزنار لم يعقد لهم ذمة على طريق الإنفراد كما تمدد ذلك ذهن الحاضر والبائد. ومن لقيناه منهم يعترف بذلك ولا ينكره بل يدعى لجهله إن ذلك يعدره ولا شك في أن أوائل أسلافهم قد عقدت لهم الذمه ممن له عقدها في الجملة ولنا خلاف في أن أولاد من عقدت لهم الذمه إذا بلغوا وصاروا من أهل أن تعقد لهم. فهل يجرى عليهم حكم العقد مع أبائهم أم يحتاجون إلى عقد جديد كما أحتاج إليها أباؤهم. والأخير هو الذى قاله الشيخ العلامة الورع الزاهد أبو إسحق [الشيرازي] صاحب التنبيه أنه ظاهر نص الشافعي — رحمه الله — على خلاف ما قاله بعض المراوزة ومن تبعه وهو من العراقيين الذين هم اقعد بنقل نصوص الشافعي من المراوزة. وقد جرى على الأخذ بظاهرالنص المذكور منهم القاضي أبو الطيب [الطبري] والشيخ أبو حامد [الإسفراييني] وهما شيخا العراقيين رحمهما الله تعالى ولا جرم قال [محمد إبن هبة الله] البندنيجي في التعليق “وسلم في المجرد أنه المذهب.” وعزاه بن الصباغ إلى نصه في الأم وصححه وأختاره الشيخ العلامة بن أبي عصرون شيخ الشام فى زمانه فى كتابه المسمى بالمرشد وإذا كان كذلك فلا بد من عقد الذمه لهم حتى لو أبوا ذلك كانوا في حكم الناقضين للعهد كما هو مبين في بابه ولا يجوز أن يعقد لهم الذمه ويدخل فيها ما هو موجود من البيع والكنائس التى وقع الشك والإحتمال في حدوثها قبل الفتح أو بعده لأن شرط العقد على ذلك أن يتحقق وجود شرطه او يظن وإذا حصل الشك في التقدم على الفتح أو التأخر عنه أو في أن الفتح كان بالصلح أو عنوة [و] لم يوجد ذلك فلا يجوز بسببه الإقدام على ذلك، وهذه قاعدة مستقره في الشرع أنه متى وجد الشك في شرط الشيء لا يجوز فعله ولا تثبت وقد وجدها هنا وإن قيل لا نسلم إن القدم شرط بل الحدوث بعد الفتح هو المانع وقد وقع الشك فيه ومن القاعدة المستقرة أنه إذا وقع الشك في المانع ترتب الحكم فوجب أن يجوز العقد لهم لأجل ذلك. قلت عن ذلك جوابان أحدهما أن الشيخ سيف الدين الآمدي قال ما كان وجوده مانعا كان عدمه شرطا وحينئذ يعود ما سلف ويصح أن تمنع القاعدة المذكورة في أنا إذا شككنا فى المانع رتبنا الحكم لأن الأصل عدمه.
الثاني وهو أولاهما في ظني أن نقول أنها تتمم القاعدة المذكورة إذا كان المانع وجوديا أما إذا كان عدميا فالأصل العدم فلا يمكن أن ينفى ويقال الأصل عدم المانع وما نحن فيه من هذا القبيل لأن الحدوث كيف قدر قبل الفتح أو بعده طار على العدم والأصل عدم التقدم إلى الزمان الذى وقع الإتفاق على الحدوث فيه. فإذا أمتنع جواز عقد الذمة لهم على هذه البيع والكنائس لأجل ذلك وهي في ديارنا لم هدر لأن إبقاءها كان لأجل حقهم، ولا حق لهم فيها على هذا التقرير. وخالف هذا ما إذا وجد عقد معهم، وشككنا بعده في تقدم الحدوث على الفتح أو تأخره فإنها لا تنقضى لأجل أن الأصل دوام العقد وإستمراره. فلا يزال بالشك. وهذا على رأى بعض الأصحاب منا على ما إذا أختلف المتبايعان في شرط يفسد العقد بعد وجوده إن القول قول من يدعى الصحة وهو أحد القولين في المسألة والقول الآخر أن القول قول من يدعى الفساد، وعلى هذا لا يختلف الحال فيما نحن فيه من ما قبل العقد وبعده ومما يتأيد به الأول أن التي أنقضت عدتها فى الظاهر إذا وجدت ريبة بالحمل قبل التزويح، هل يحل لها النكاح أم لا؟ فيه قولان ولو حصلت الريبة في إبتداء العدة لم يحل النكاح قولا واحدا و كذا يؤيده قول الغزالي في كتاب النكاح أن من بلغ رشيدا ثم سفه في الدين فقط لا يعود الحجر عليه بنفسه إتفاقا، ولو سفه بعده في المال فقط ففي عوده بنفسه خلاف، ولو قارن واحد منهما البلوغ لم يرتفع الحجر ودام وفرق بأنه في هذه الحالة يثبت الحجر بيقين فلا يرتفع بالشك في الرشد فإن إتصال الفسق بالبلوغ يوجد الشك فيه وإذا أرتفع بيقين لم يعد أيضا بالشك بسبب الفسق والله أعلم.
هذا تمام ذكر ما حضرني من الأدلة على ما يخالف دعوى أهل المسكنة والذلة والأخير منها، والذي يليه يقتضى تعميم الحكم فى كل كنيسة وبيعة ونحو ذلك من متعبدات أهل الكتابين، مما وقع الشك فيه هل كان موجودا في الديار المصرية قبل الفتح أو بعده؟ فليتأمل ذلك من سدد الله قصده وألهمه رشده ولا يجري ذلك فيما تحقق وجوده قبل الفتح أو أشتهر لأجل تقريره ممن سلف من الخلفاء الراشدين. وقد أن لنا ذكر ما تقدم الوعد به من سؤال، هو عمدة من قام في نصرتهم من أهل الإسلام وفاء بما ألتزم لهم من الأمان. فنقول فإن قيل إحتمال الحدوث بعد الفتح أو قبله لا ينكر وكذا إحتمال كون البلاد فتحت صلحا أو عنوة لا ينكر، وعلى تقدير أن تكون قد فتحت صلحا وكانت البيع والكنائس إذ ذاك بهذا المكان موجودة ووقع الصلح عليها، فلا يجوز هدمها. وعلى تقدير خلافه ينعكس الحكم فقد دار الأمر بين إحتمالين أحدهما يقتضى الهدم والآخر يقتضى الإبقاء وجهل الحال والظاهر فيها دار بين إحتمال الجواز وهو كونه وضع بحق وإحتمال عدم الجواز وهو كونه وضع عدوانا إنه يحمل على أنه وضع بحق وشاهد ذلك من قول الأصحاب دعواهم أنه إذا أصيبت جذوع على حائط وجهل الحال في وضعها لا يزال حملا لها على أنها وضعت بحق. ويؤيد ذلك ايضا أنه إذا قال صاحب الدابة لشخص ”غصبتها“ وقال منازعه ”لأنك أعرتنيها“ كان القول قوله في عدم الغصب لأن الظاهر من البدأ أنه محق ومدعى الغصب يدعى خلاف الظاهر وقد نقل [إسماعيل بن يحيى] المزني ذلك عن نص الشافعي رحمه الله، وهو في [كتاب] الأم وكيف يقال بأن ذلك يهدم [و] بلدها البصرة بلدة أسلامية خطت في زمان عمر رضى الله عنه سنة سبع عشرة من الهجرة على يد عتبة بن غزوان وقد ذكر في الحاوى أن ما يوجد فيها من كنائس لا ينقض لإحتمال أنها كانت فى قرية أو برية فإتصلت بها عمارات المسلمين فإن عرف أحداث شيء منها بعد بناء المسلمين وعماراتهم ينقض وطريق الجواب عن ذلك، أن يقول ما ذكرناه من الدليل الرابع والخامس يدفع السؤال من أصله. أما الرابع فلأجل أنه مفرع على أن الديار المصرية فتحت عنوة والبصرة كما قال المواردي للشيخ أبي حامد حين سأله هل هي من سواد العراق [فيها] أنشئت في موات أحياه المسلمون وحينئذ. فما كان من البيع والكنائس التي قدر إتصالها بها لا يخلوا إما أن يكون فتح صلحا أو عنوة. فإن كان صلحا ظهر الفرق بينه وبين ما نحن فيه لأنه ما قدر أنه كان يجاورها حين أنشأت كان يجوز تقريره بناء على أن ما فتح صلحا يجوز تقرير ما به من الكنائس. فأمكن إحتمال تقريره ولا كذلك ما نحن فيه فإن ما به من الكنائس الآن على تقدير أن يكون موجودا حين الفتح لا يجوز تقريره على الأصح بنا على أن ما فتح عنوة وبه كنائس لا تجوز تقريرها. فإن المسلمين ملكوها بالفتح وإن كان الموضع المضاف إلى البصرة فتح أيضا عنوة. فلعل ما ذكره الماوردي من التاويل بناه على ما أدعى أنه الصحيح من أن البلاد إذا فتحت عنوة وبها كنائس يجوز تقريرها، فأنه إذا كان كذلك تم له ذلك وقد رأيت ذلك مصرحا [به] في تعليق البندنيجي، حيث قال إذا كان في البلاد التي أنشأها المسلمون كالبصرة والكوفة وبغداد بيعة أو كنيسة نظر الإمام فى ذلك. فإن كان محدثا قلعه وأبطله وما لم يعرف سببه اقره لجواز أن يكون رسمه قبل إحداث هذه البلاد، فإن قيل فهذه المواضع كلها فتحت عنوة وملكها المسلمون فكيف شاع إقرارهم في كنائسهم مما فتحه المسلمون عنوة قلنا يجوز ذلك على أحد الوجهين فإن ما فتحه المسلمون عنوة وكان فيه بيع عامرة وكنائس موجودة قائمة فيها وجهان، أحدهما يجوز أن يصالحهم على إقرارها لهم وعلى هذا تحمل بيع العراق، والثاني لا يجوز لأنه ملكه المسلمون فلا يصالحهم على أن تجعلوا أملاك المسلمين بيعا وكنائس. هذا آخر كلامه وهو صريح فيما [إذا] ذكرناه وإذ بان أن الصحيح في المذهب كما ذكره الرافعي ومن تبعه والغزالي في الوجيز وغيره أيضا أنه لا يجوز تقرير كنيسة فيما فتح عنوة ظهر منه أن تقرير الكنائس في العراق على خلاف الصحيح عندهم وكذلك في البصرة. فلا يحتج به علينا على أني اقول من نفس كلام الماوردي فى البصرة يمكن أن يوجد فرق بينها وبين ما نحن فيه وذلك أنه جعل إحتمال إتصال العمارة الحادثة مما كان خارجا عنها. هو المسوغ للتقرير وإحتمال الإتصال هاهنا غير ممكن لأن السور الذى بناه المعز مانع من ذلك. فلم يبق إلا إحتمال الوجود في حالة الإنشاء وإنه دام كما يدعيه بعض المعاندين وقد ذكرنا أن ظاهر الحال يرده ويأباه ولا كذلك إحتمال إتصال العمارة في البصرة مما كان فيه البيع ونحوها فأنه لا ظاهر يخالفه فجاز أن يوفر على الإحتمال مقتضاه وبسط ذلك إنا نقول المستدل يزعم أن الأمر إذا جهل كان الظاهر أنه يحق كما سلف تقريره. ونحن نسلم له ذلك ونقول لكن تقدير انشاء القاهرة والكنائس والبيع حاله فيها خلاف الظاهر كما أسلفناه أيضا وحينئذ فقد تعارض في التقرير وعدمه فيها ظاهران على التقابل والأصل عدم الوجود في الزمن الماضي. فأعتضد به أحد الظاهرين وهو الذى يقتضى عدم التقرير فقدم. ومثل هذا لا يجوز أن يقال في البصرة بل الموجود فيها أصل من جانب وظاهر من آخر فعمل بالظاهر كما هو أحد الرأيين كما تقدم وهذا ما قدمت الوعد به عند ذكر الدليل الثالث فإن قلت لا نسلم أن الموجود فيما نحن فيه ظاهر مجرد بل نقول معه أصل أيضا وهو كون الأصل بقاء ما كان [على ما كان] من غير مجدد وحينئذ يكون قد وجد في كل جانب أصل وظاهر فلا ترجح.
قلت الأصل الذى يتمسك به المعترض طار بإتفاق على الأصل الذي تمسكنا به فإن الإنشاء طار على العدم. وإذا كان كذلك عاد الأمر إلى ما قلناه والله أعلم. وأما دفع الدليل الخامس للسؤال فجلى فإن قلت قضيته أن يطرد في البصرة ونحوها.
Bog aan la aqoon
قلت يجوز أن يقال لا لأجل أن عبد الرحمن بن غنم نقل ما يفهم أن عهد عمر رضى الله عنه شمل أولادهم ومثل ذلك لم يرد في بلادنا والأصل عدم ذلك فبنى الأمر عليه وعلى تقدير أن يقال لا نسلم أن عهد عمر رضى الله عنه شمل أولادهم فالتخريح لائح فيما [اذا] جهل حاله من أماكن البصرة التي وجد فيها البيع والكنائس هل كان مما أحياه المسلمون حين أنشأوا البصرة أم لا؟ وحيث لم يقل بذلك صاحب الحاوى ولم ينقله فلعله لم يخطر له إذ ذاك المأخذ المذكور أو خطر له لكنه لم يفرع عليه لأنه [لا] يرى أن ايجاب تجديد العقد للأولاد خطأ كما صرح به. فلذلك لم يفرع عليه ومادة ما ذكرناه من التخريح إنما هي إيجاب تجديد العهد كما أسلفناه فإن قيل ما قال الماوردي أنه خطأ كلام المراوزة قد يقتضى موافقته إذ قالوا أن الصحيح أنه لا يحتاج إلى إستئناف عقد مع الأولاد بل يجرى عليهم حكم أبائهم وأدعوا أنه ظاهر النص كما اشرت إليه من قبل وإن كان الإمام قد قال أن خلافة القياس وإذا كان كذلك فمذهب المراوزة يمنع ما أستحسنه من الأدلة.
قلت حينئذ أقول يتركب من هذا ومما سلف إتفاق أهل العراق والمراوزة على عدم التقرير وإن أختلفوا في المأخذ وإنما قلت ذلك لأن الصحيح عند العراقيين كما حكوه عن صريح نص الشافعي في [كتاب] الأم على أنه لا بد من تجديد عقد الأولاد وهو كما قررناه يقتضى عدم تقرير الكنائس وأن خالفهم المراوزة في التقرير بهذا السبب. لكن المراوزة يقولون الصحيح أن البلاد إذا فتحت عنوة لا يجوز أن يقرر ما بها من الكنائس ونحوها وقضية ذلك أن لا يجوز التقرير لذلك بهذه الديار وبذلك يصح ما قلناه والله أعلم.
وأما الجواب عن السؤال المعتضد بمسألة الجذوع والدابة على تقدير فقد كل من الدليلين أعنى الرابع والخامس، فهو بإبداء الفرق بين ما نحن فيه وذلك، فنقول إنما أقرت الجذوع لأمرين أحدهما كون الظاهر أنها وضعت بحق ولا يستلزم ذلك مخالفة أصل آخر وهو إثبات إستحقاق الوضع أو وجوده في زمن متقدم وقع النزاع فيه ولا كذلك ما نحن فيه. فإنا لو حملنا ذلك على أنه لو وضع بحق لإستلزم مخالفة الأصل المذكور وشرط العلة في الفرع أن لا ينقض عن العلة في الأصل وقد نقضت لأن إستلزام ذلك إلى وجود في الماضي والأصل عدمه يضعف الظهور المذكور.
والأمر الثاني أن الجذوع إذا حملت على أنها وضعت بحق فالأمر فيها سهل لأنها لم تفوت على مالك الجدار إنتفاعا به إحتفال ولهذا أجبر على وضعها على القول القديم وجازت المصالحة عليها من غير تقدير مدة مع قولنا أنها إجازة وجازت على غير عين مع قولنا أنها بيع ولا كذلك ما نحن فيه. فإن المفوت بالتقرير أمكنة مقصوده لعينها فجاز أن لا يكتفي في إستحقاقها مجرد للظهور وأيضا فمسألة الجذوع مفروضة فيما إذا لم يدع [ان] صاحبها أن صاحب الجدار أذن له في وضعها بل إدعى إستحقاق الوضع، وجهل الحال حتى لو قال لصاحب الحائط أنت أذنت لي أو صالحتني عليها وقال له بل غصبتني فتشبه أن تكون كمسألة دعوى غصب الدابة ومن هي في يده يدعى أعادتها وإذا كان كذلك فارقت مسألة الجذوع ما نحن فيه لأن المعاندين يزعمون أن صالحناهم على انما الكنائس المذكورة و بذلك يفارق مسألة الحذوع حيث يقال أن الظاهر فيها أنها وضعت بحق.
فإن قال هذا لا يقطع الإلحاق لأن ما نحن فيه يصير كما قلت شبيها بما إذا قال صاحب الجذوع أعدتني أو صالحتني وقال صاحب الجدار بل غصبتني وإن ذلك يشبه أن يكون كدعوى غصب الدابة وقد سلف في تقرير السؤال أن نص الشافعي في دعوى غصب الدابة أن القول قول مدعى العارية وقضية ذلك إن يكون القول قول المعاندين.
بن يحيى] المزني غلط فيه وقطع بأن القول قول المالك وهذا ما صححه ابن الصباغ وكذا القاضي أبي الطيب في اخريات الإجارة. لكنه حكى أن الربيع قال حيث حكى ما نقله المزني أنه مرجوع عنه ولأجل ذلك، والله أعلم، قال الغزالي أن هذا الطريق هو الذي عليه اكثر الأصحاب وأنه الأولى. وبذلك يتم الجواب والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب والمرجو إذ ذاك خفيف الحساب وإعطاء جزيل الثواب والمسامحة في موقف العتاب عند نشر الكتاب بمنه ورحمته إنه على كل شيء قدير بالإجابة جدير وحسبنا الله ونعم الوكيل. وكان الفراغ من تأليف ذلك وتبييضه في النسخة التي بخط المصنف أمتع الله ببقائه وأفاض عليه سوابغ نعمائه في اليوم المبارك يوم الأحد بعد صلاة الظهر السادس والعشرين من شعبان المبارك سنة سبعماية.
الحمد لله وحده وصلواته على سيدنا ونبينا محمد النبي وعلى آله ورضوانه على أصحبه الطاهرين والتابعين
Bog aan la aqoon