انتهت الإجازة ورجعنا إلى المدرسة. كنت أختال على غير عادتي وأنتفخ كالطاووس، وربما صدقت بيني وبين نفسي أنني أحمس بطل الاستقلال ومحرر البلاد. وعندما سألت عن موعد البروفات، أبلغوني أن الأستاذ علام قد نقل إلى الصعيد، وأن الأستاذ حسن مدرس التاريخ والمشرف على النشاط المدرسي هو الذي سيتولى الموضوع. وجمعنا الأستاذ بعد الظهر في قاعة المكتبة، وبدأ كل منا يسمع دوره: الأمراء والأعيان والضباط والحراس والحجاب، وقبلهم جميعا أحمس البطل والمنقذ. وبذل كل منا ما في طاقته لتقديم دوره على أحسن وجه، وشاع الأنس والحماس والرضا، وتفاءلنا بإقامة عرض ناجح يحوز القبول والاستحسان، ويختتم به العام الدراسي. وتطلعت أنا لبداية البروفات حتى أتلبس بالدور بحق، وأرتدي ملابس الأمير وأضع تاج الوجهين على رأسي، وأحمل الدرع والحربة في يدي، وأقود الجميع أمام حصن العدو في أواريس.
قال لي الأستاذ حسن بعد انصراف الزملاء وانفراده بي في قاعة المكتبة: أردت أن أكلمك بعيدا عن زملائك. أنت فتى طيب ومخلص ومتفوق في دراستك، لكن لا تغضب مني إذا صارحتك بأنك لا تصلح لدور أحمس على الإطلاق ...
سألت، وأنا أشعر بجفاف حلقي وارتفاع نبضي: لماذا؟ هل قصرت في شيء؟
قال مؤكدا كلامه: ليست مسألة تقصير، بل تكوين واستعداد. أنت قصير القامة وخجول ونحيل وشاحب الوجه، وأحمس البطل لا بد أن يكون طويلا عريضا قوي البنيان، جريئا كالأسد ومرتفع الصوت كالرعد. اسمع نصيحتي يا بني، ولا تغضب مني ...
قلت، وقد زاد اضطراب قلبي وغامت الدنيا أمام عيني: أنا أسمعك يا أستاذي ...
قال، وقد ارتسمت على وجهه أمارات الارتياح: ليس معنى إسناد الدور لغيرك أنني سأستغني عنك، بالعكس، سأعطيك دور واحد من الكومبارس ...
كنت أسمع الكلمة لأول مرة في حياتي، فهتفت: ماذا؟
قال بسرعة ووضوح: الكومبارس هم مجموعات من الممثلين الذين يقومون بأدوار مساعدة؛ يجرون في مجاميع، أو يهتفون في مظاهرات، أو يرفعون الأعلام ويصيحون مهللين فرحين. إن دورهم أساسي في أي مسرحية، ولكنهم راضون متواضعون، وقد يشارك الواحد منهم في المسرح عشرات السنين دون أن يتفوه مرة بكلمة واحدة ... اسمع نصيحتي يا بني ... هذا هو الدور الوحيد الذي يناسبك. سنبدأ السبت القادم، وستكون على رأس المجاميع التي تزحف أو تهتف أو تحيي القائد المنتصر ورجاله ... أرجوك يا بني ... لا تتطلع أبدا إلى ما يخالف طبيعتك ... تأكد أنك خلقت للدور الذي وصفته لك وحاول أن تتقنه ...
قلت مصدوما بالحقيقة، وواثقا في نفس الوقت من صدق الأستاذ، الذي طالما لمست قبل ذلك حبه وحنانه ورعايته: سأفعل ما يرضيك يا أستاذ ...
قال ضاحكا وهو يربت على كتفي: وما يرضيك سيرضيني، وسوف تعلمك الأيام أن نظرتي لا تخيب ...
Bog aan la aqoon