فلما عاد إلى منزله سألته أمه: كيف حال الموسيو بوفور؟ وهل وجدوا القاتل؟
قال: لقد قلت لك إن جرحه بسيط، ولكن ... - ولكن ماذا؟ - إن الموسيو بوفور أوصاني ألا أكتمك شيئا، فاعلمي إذن أنه يوجد كثير من الأدلة تشهد عليه. - بماذا؟ أسرع بالإيضاح. - إنهم قبضوا عليه. - لماذا؟ - لأنهم يتهمونه بقتل الموسيو فولون. - لا شك أنك تمزح! - بل هي الحقيقة أقولها بملء الأسف.
ثم روى لها جميع ما حدث تفصيلا، وقال لها: لا شك أن الصدفة قد قضت عليه بهذه التهمة، وفي اعتقادي أنه بريء. - إذا كان ذلك فلا بد لك من السعي لإنقاذه. - كيف أستطيع ذلك؟ - لا أعلم، فسنبحث معا عن الطريقة، نعم يجب إنقاذه يا بني فلو تعلم ... - ماذا؟ - ستعلم كل شيء فيما بعد، ولكن يجب عليك أن تحترم الموسيو بوفور وأن تحبه بملء جوارحك. - ماذا تعنين يا أماه، فإنك لا تعرفين الموسيو بوفور، وعندما رجوتك أن تأذني بإقامته بيننا أبيت كل الإباء، فما الذي غيرك اليوم هذا التغيير؟ - ستعلم فيما بعد كما قلت لك.
وفي اليوم التالي عاد جيرار إلى داغير واستقبله باسما، وقال له: لقد أفادني علاجك فأنا اليوم في خير حال.
قال: هو ما تراه، ولكن يجب أن تحذر الانتكاس؛ فإنك لا تزال شديد الضعف.
قال: نعم؛ فقد أردت أن أنهض اليوم فلم أستطع.
فجس نبضه ونظر إلى زاوية الغرفة فلم يجد الثياب الملوثة بالدم، فقال له متظاهرا بعدم الاكتراث: من الذي نظف غرفتك؟
قال: الخادم. - أظن أنك أصبت ببرد. - كيف عرفت ذلك؟ - من النار التي أشعلتها في المستوقد. - نعم؛ فقد بردت أمس فكلفت الخادم أن يوقد النار، فدنا جيرار من المستوقد وجعل ينظر إلى الرماد، فاضطرب داغير وقال له: ماذا تفعل؟
فلم يجبه الطبيب، ولو أراد إجابته في تلك اللحظة لما استطاع لفرط اضطرابه، ثم قال له بعد هنيهة: إنك ارتكبت خطأ عظيما. - ما هو؟ - أما أوصيتك بالسكون وألا تنهض من فراشك؟ - وأنا امتثلت. - أين هي الثياب التي كانت أمس في زاوية الغرفة؟ - لقد أخذها الخادم حين نظف الغرفة. - أين وضعها؟ - لماذا تسألني هذا السؤال؟ - ستعرف يوما ما السبب. - إذن سأقول لك الحقيقة، وهي أني نهضت من فراشي حقيقة، ووقفت في النافذة فرأيت فقيرا يتسول فألقيت إليه هذه الثياب. - أهذا هو كل شيء؟ - ماذا تريد أيضا؟ - أريد أن أعرف الحقيقة يا موسيو داغير؛ فإن كل ما قلته كذب محض. - إنك تغتنم فرصة ضعفي فتهينني، وليس هذا عمل شريف، بل ليس هذا من الشجاعة في شيء. - وأنت قد انحطيت حتى وصلت إلى الكذب، وليس هذا من شروط البسالة. - وأخيرا ماذا تريد؟ - أريد أن أعرف لماذا أحرقت ملابسك، ولا فائدة من الإنكار؛ فقد رأيت في المستوقد قطعة منها لم تأكلها النار، وهذا يفيد كثيرا قاضي التحقيق لو خامره بك ريب. - ماذا عسى يريبه مني؟ أما قلت لك كيف جرحت؟ فلا تنس أن شرف امرأة متعلق بهذا الجرح، ألا يحق لي أن أتخذ وسائل الحذر؟
فحدق به جيرار كأنه يريد أن يخترق بنظراته أعماق قلبه، ولم يطق داغير احتمال تلك النظرات فأغمض عينيه كي يتقيها، فتجسم الشك في قلب جيرار، وقال له: سأعودك في كل يوم.
Bog aan la aqoon