Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar
مروج الذهب ومعادن الجوهر
ثم ملك بعده بهرام، بن بهرام، وكان ملكه سبع عشرة سنة، وقيل غير ذلك، وأقبل في أول ملكه على القصف واللذات والصيد والنزهة، لا يفكر في ملكه، ولا ينظرفي أمور رعيته، وأقطع الضياع لخواصه ومن لاذبه من خدمه وحاشيته، فخربت الضياع، وخلت من عمارها، وسكنوا الضياع المتعززة، فقلت العمارة إلا ما أقطع من الضياع، وسقطت عنهم المطالبة بالخراج بممايلة الوزراء خواص الملك، وكان تدبير الملك مفوضا إلى وزرائه فخربت البلاد، وقلت العمارة وقل ما في بيوت الأموال، فضعف القوي من الجنود، وهلك الضعيف منهم، فلما كان في بعض الأيام ركب الملك إلى بعض منتزهاته وصيده، فجنه الليل وهو يسير نحو المدائن، وكانت ليلة قمراء، فدعا بالموبذان لأمر خطر بباله فلحق به وسايره، وأقبل على محادثته، مستخبرا له عن سير أسلافه، فتوسطوا في مسيرهم خربات كانت من أمهات الضياع قد خربت في مملكته، ولا أنيس بها إلا البوم، وإذا بوم يصيح وآخر يجاوبه من بعض تلك الخربات، فقال الملك للموبذان : أترى أحدا من الناس أعطى فهم منطق هذا الطير المصوت في هذا الليل الهادىء فقال له الموبذان: أنا أيها الملك ممن قد خصه الله بفهم ذلك، فاستفهمه الملك عما قال، فأعلمه أن قوله صحيح، فقال له: فما يقول هذا الطائر؟ وما الذي يقول اللآخر؟ قال الموبذان هذا بوم ذكر يخاطب بومة، ويقول لها: أمتعيني من نفسك حتى يخرج منا أولاد يسبحون الله، ويبقى لنا في هذا العالم عقب يكثرون ذكرنا والترحم علينا فأجابته البومة: إن الذي دعوتني إليه هو الحظ الأكبر، والنصيب الأوفر، في العاجل والآجل، إلا أني أشترط عليك خصالا إن أنت أعطيتنيها أجبتك إلى ما دعوتني إليه، فقال لها الذكر: وما تلك الخصال. قالت: أولها إن أنا أبحتك نفسي وصرت إلى ما إليه دعوتني تضمن لي أن تعطيني من خربات أمهات الضياع عشرين قرية مما قد خرب في أيام هذا الملك السعيد، فقال له الملك: فما الذي قال لها الذكر. قال الموبذان: كان من قوله لها: إن دامت أيام هذا الملك السعيد جده أعطيتك مما يخرب من الضياع ألف قرية، فما تصنعين بها. قالت: في اجتماعنا ظهور النسل، وكثرة الولد، فنقطع كل واحد من أولادنا قرية من هذه الخربات، قال لها الذكر: هذا أسهل أمر سألتنيه، وأيسرأمرطلبته مني، وقدمت لك الوعد وأنا مليء بذلك، فهاتي ما بعد ذلك فلما سمع الملك هذا الكلام من الموبذان عمل في نفسه، واستيقظ من نومه، وفكر فيما خوطب به، فنزل من ساعته، وترجل للناس، وخلا بالموبذان فقال له:. إيها القيم بالدين، والناصح للملك، والمنبه على ما أغفله من أمور ملكه، وأضاعه من أمر بلاده ورعيته، ما هذا الكلام الذي خاطبتني به. فقد حركت مني ما كان ساكنا، وبعثني على علم ما كنت عنه غائبا، قال الموبذان: صادفت من الملك السعيد جده وقت سعد للعباد والبلاد، فجعلت الكلام مثلا وموقظا على لسان الطائر عند طلب الملك مني جواب ما سأل، ثم قال له الملك:أيها الناصح، اكشف لي عن هذا الغرض الذي إليه رميت، والمعنى الذي له قصدت، ما منه و إلى ماذا يؤول؟ قال الموبذان: أيها الملك السعيد جده إن الملك لا يتم عزه إلا بالشريعة والقيام لله تعالى بطاعته، والتصرف تحت أمره ونهيه، ولا قوام للشريعة إلا بالملك، ولا عز للملك إلا بالرجال، ولا قوام للرجال إلا بالمال، ولا سبيل إلى المال إلا بالعمارة، ولا سبيل للعمارة إلا بالعدل، والعدل الميزان المنصوب بين الخليقة، نصبه الرب وجعل له قيما، وهو الملك، قال الملك: أما ما وصفت فحق، فأبن لي عما تقصد، وأوضح لي في البيان، قال الموبذان: نعم أيها الملك، عمدت إلى الضياع فانتزعتها من أربابها وعمارها، وهم أرباب الخراج ومن تؤخذ منهم الأموال، فأقطعتها الحاشية والخدم وأهل البطالة وغيرهم، فعمدوا إلى ما تعجل من غرتها، واستعجلوا المنفعة، وتركوا العمارة والنظر في العواقب وما يصلح الضياع، وسومحوا في الخراج لقربهم من الملك، ووقع الحيف على من بقي من أرباب الخراج وعمار الضياع، فانجلوا عن ضياعهم، ورحلوا عن ديارهم، وآووا إلى ما تعزز من الضياع بأربابه فسكنوه، فقلت العمارة، وخربت الضياع، وقلت الأموال، فهلكت الجند والرعية، وطمع في ملك فارس من أطاف بها من الملوك والأمم لعلمهم بانقطاع المواد التي بها تستقيم دعائم الملك، فلما سمع الملك هذا الكلام من الموبذان أقام في موضعه ذلك ثلاثا، وأحضر الوزراء والكتاب وأرباب الدواوين، وأحضرت الجرائد فانتزعت الضياع من أيدي الخاصة والحاشية، وردت إلى أربابها، وجروا على رسومهم السالفة، وأخذوا في العمارة، وقوي من ضعف منهم، فعمرت الأرض، وأخصبت البلاد، وكثرت الأموال عند جباية الخراج. وقويت الجنود، وقطعت مواد الأعداء، وشحنت الثغور، وأقبل الملك يباشر الأمر بنفسه في كل وقت من الزمان، وينظر فى أمر خواصه وعوامه، فحسنت أيامه، وانتظم ملكه، حتى كانت تدعى أيامه أعيادا؛ لما عم الناس من الخصب والإفضال وشملهم من العدل.قيم دعائم الملك، فلما سمع الملك هذا الكلام من الموبذان أقام في موضعه ذلك ثلاثا، وأحضر الوزراء والكتاب وأرباب الدواوين، وأحضرت الجرائد فانتزعت الضياع من أيدي الخاصة والحاشية، وردت إلى أربابها، وجروا على رسومهم السالفة، وأخذوا في العمارة، وقوي من ضعف منهم، فعمرت الأرض، وأخصبت البلاد، وكثرت الأموال عند جباية الخراج. وقويت الجنود، وقطعت مواد الأعداء، وشحنت الثغور، وأقبل الملك يباشر الأمر بنفسه في كل وقت من الزمان، وينظر فى أمر خواصه وعوامه، فحسنت أيامه، وانتظم ملكه، حتى كانت تدعى أيامه أعيادا؛ لما عم الناس من الخصب والإفضال وشملهم من العدل.
جماعة من ملوك الفرس
ثم ملك بعده بهرام بن الملك بهرام بن بهرام فكان ملكه إلى أن هلك أربع سنين، وأربعة أشهر ثم ملك بعده نرسي بن بهرام الملك ابن بهرام البطل ، وكان ملكه سبع سنين وقيل ونصفا ثم ملك بعده هرمزبن نرسي بن بهرام، على ما ذكرنا من النسب، وكان ملكه سبع سنين وخمسة أشهر. وذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى عن عمر كسرى أن كل من ذكرنا من ملوك آل ساسان إلى هذا الملك وهو هرمز بن نرسي كانوا ينزلون جند يسابور من بلاد خوزستان، وقد كان يعقوب بن الليث الصفار أراد سكنى جند يسابور متشبها بمن مضى من ملوك ساسان، إلى أن مات بها. وسنذكر فيما يرد من هذا الكتاب أخبار المعتمد حين سكناه إياها ووفاته فيها.
سابور ذو الاكتاف
ثم ملك بعد هرمزبن نرسي ابنه سابوربن هرمز، وهو سابورذو الأكتاف، وكان ملكه إلى أن هلك اثنتين وسبعين سنة. وخلفه والده حملا، فغلبت العرب على سواد العراق، وقام الوزراء بأمر التدبير، وكانت جمهرة العرب ممن غلب على العراق ولد إياد بن نزار، وكان يقال لها طبق لإطباقها على البلاد، وملكها يومئذ الحارث بن الأغر الإيادي، فلما بلغ سابور من السن ست عشرة سنة أعد أساورته بالخروج إليهم والإيقاع بهم، وكانت إياد تصيف بالجزيرة وتشتو بالعراق، وكان في حبس سابور رجل منهم يقال له لقيط، فكتب إلى إياد شعرا ينذرهم به، ويعلمهم خبرمن يقصدهم، وهو:
سلام في الصحيفة من لقيط ... على من في الجزيرة من إياد
بأن الليث يأتيكم دلاق ... فلا يحسبكم شوك القتاد
أتاكم منهم سبعون ألفا ... يجرون الكتائب كالجراد
على خيل ستأتيكم فهذا ... أوان هلاككم كهلاك عاد
فلم يعبؤا بكتابه، وسراياه تكر نحو العراق وتغير على السواد، فلما تجهز القوم نحوهم أعاد إليهم كتابا يخبرهم فيه أن القوم قد عسكروا، وتحشدوا لهم، وأنهم سائرون إليهم، وكتب لهم شعرا أوله.
يا دار عمرة من تذكارها الجرعا ... هيجت لي الهم والأحزان والوجعا
أبلغ إيادا وحلل في سراتهم ... أني أرى الرأي إن لم أعص قدنصعا
ألا تخافون قوما لا أبا لكم ... مشوا إليكم كأمثال الدبى سرعا
لو أن جمعهم راموا بهدتهم ... شم الشماريخ من ثملان لا نصدعا
فقلدوا أمركم لله دركم ... رحب الذراع بأمرالحرب مضطلعا
فأوقع بهم، فعمهم القتل، فما أفلت منهم إلا نفر لحقوا بأرض الروم، وخلع بعد ذلك أكتاف العرب، فسمي بعد ذلك سابوو ذا الأكتاف.وقد كان معاوية بن أبي سفيان راسل من بالعراق من تميم ليثبوا بعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه! فبلغ ذلك عليا رضوان الله عليه، فقال قي بعض مقاماته في كلام له طويل: إن حيا يرى الصلاح فسادا ... أو يرى الغي في الأموررشادا
Bogga 110