Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar
مروج الذهب ومعادن الجوهر
قال المسعودي: قد ذكرنا جملأ من الكهانة والقيافة والزجر والبارح والسانح فلنذكر الآن لمعا من أخبار الكهان، وتفرق ولد سبأ في البلدان. ولم يزل ولد قحطان في أطيب عيش إلى أن هلك سبأ، وكان القوم بعد مضي سبأ تداولتهم الأعصار قرنا بعد قرن إلى أن أرسل الله عليهم سيل العرم وذلك أن الرياسة انتهت فيهم إلى عمرو بن عمرو مزيقياءو - وهو عمرو بن عامر بن ماء السماء بن حارثة الغطريف بن ثعلبة بن امرئ القيس، بن مازن بن الأزد بن الغوث بن كهلان بن سبأ - وذلك ببلاد مازن إن أرض اليمن، وهي بلاد سبأ التي ذكر الله في القران أنه أرسل على أهلها سيل العرم، وهو السد، وكان فرسخأ في فرسخ، بناه لقمان الأكبر العادي - وهو لقمان بن عاد بن عاد - وقد ذكرنا خبره وخبر غيره ممن كان عمر منهم عمر النسور، وهذا السد هو الذي كان يرد عنهم السيل فيما سلف من الدهر إذا حان أن يغشى أموالهم، فمزقهم الله كل ممزق، وباعد بين أسفارهم، والناس في قصة هلكهم يختلفون، وفي سياقه أخبارهم يتباينون.
وصف بلاد سبأ
وذكر أصحاب التاريخ القديم أن أرض سبأ كانت من أخصب أرض اليمن، وأثراها وأغدقها، وأكثرها جنانا وغيطانا، وأفسحها مروجأ، مع بنيان حسن وشجر مصفوف، ومساكب للماء متكاثفة، وأنهار وأزهار متفرقة، وكانت مسيرة أكثر من شهر للراكب المجد على هذه الحالة، وفي العرض مثل ذلك، وأن الراكب والمار كان يسير في تلك الجنان من أولها إلى أن ينتهي إلى آخرها تواجهه الشمس ولا تعارضه؛لاستتار الأرض بالعمارة الشجرية، واستايلائها عليها، وإحاطتها بها، وكان أهلها في أطيب عيش وأرفهه، وأهنأ حال، وأرغد قرى، وفي نهاية الخصب، وطيب الهواء، وصفاء الفضاء، وتدفق الماء، وقوة الشوكة، واجتماع الكلمة، ونهاية المملكة وكانت بلادهم في الأرض مثلا، وكانوا على طريقة حسنة من أتباع شريف الأخلاق، وطلاب الأفضال على القاصد والسفر بحسب الإمكان وما توجبه القدرة من الحال؛ فمكثوا على ذلك ما شاء الله من الأعصار، لا يعاندهم ملك إلا قصموه، ولا يوافيهم جئار في جيش إلا كسروه، فذلت لهم البلاد. وأذعن لطاعتهم العباد، فصاروا تاج الأرض، وكانت المياه التي هي أكثر ما يرد إلى أرض سبأ تظهر من مخراق من الحجر الصلد والحديد من ذلك السد والجبال، طول المخراق فيما وصفنا فرسخ، وكانوراء السد والجبال أنهار عظام، وكان في هذا المخراق الأخذ منا تلك الأنهار ثلاثون نقبا مستديرة في، استدارة الفراء طولأ وعرضا مدورة على أحسن هندسة وأكمل تقدير، وكانت المياه تخرج من تلك الأنقاب في مجاريها حتى تأتي الجنان فترويها سقيا، وتعدم شرب القوم، وقد كانت أرض سبأ قبل ما وصفنا من العمارة والخصب يركبها السيل من تلك المياه، وكان ملك القوم في ذلك الزمان يقرب الحكماء، ويدنيهم، ويؤثرهم، ويحسن إليهم، فجمعهم من أقطار الأرض للإلتجاء إلى رأيهم، والأخذ من محصن عقولهم، فشارهم في دفع ذلك السيل وحصره، وذلك أنه كان ينحدر من أعالي الجبل هابطا على رأسه حتى يهلك الزرع ويسوق من حملته البناء، فأجمع القوم رأيهم على عمل مصارف له إلى براري تقذف به إلى البحر، وأخبروا الملك أن الماء إذا حفرت المصارف الهابطة طلبها، وانحدر فيها، ولم يتراكم حتى يعلو الجبال؛لأن في طباع الماء طلاب الخفض فحفر الملك المصارف حتى انحدر الماء وانصرف وتدافع إلى تلك الجهة واتخذوا السد في الموضع الذي كان فيه بدء جريان الماء من الجبل ألى الجبل، وجعلوا فيه المخراق على ما وصفنا آنفا، ثم اجتذبوا من تلك المياه نهرا مرسلا ومقدارا معلوما ينتهي في جريانه إلى المخراق، ثم ينبعث الماء منه إلي تلك الأنقاب، وهي الثلاثون ومخرافا الصغار التي قلمنا ذكرها، وكانت البلاد عامرة على ما وصفنا آنفأ.
مبدأ التهدم
Bogga 240