220

Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar

مروج الذهب ومعادن الجوهر

ومنهم من رأى أن ذلك هو سكون النفس وهدوء الروح. ومنهم من زعم أن ما يجلى الإنسان في نومه من الخواطر إنما هو من عمل الأغذية والأطعمة والطبائع.

ومنهم من رأى أن بعض الرؤيا من الملك وبعضها من الشيطان،واعتل هؤلاء بقوله تعالى: " إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا " .

ومنهم من رأى أنها جزء من إحدى وستين وجزأ من النبوة، وتنازع هؤلاء في كيفية ذلك الجزء وماهيته.

ومنهم من ذهب إلى أن الإنسان الحساس هو غير هذا الجسم المرئي وأنه يخرج عن البدن في حال النوم فيشاهد العالم ويرى الملكوت، على حسب صفائه، واعتل هؤلاء وغيرهم - ممن ذهب إلى نحو هذا المعنى - بقوله عز وجل: " الله يتوفى الأنفس حين موتها، والتي لم تمت في من أمه ا " إلى قوله: " إلى أجل مسمى " .

وذهب الجمهور من المتطببين في ذلك إلى آلي الأحلام من الأخلاط، وترى بقدر مزاج كل واحد منها وقوته، وذلك أن الذين تشتغل أجسادهم من المرة الصفراء يرون في من أمه م النيران والنواويس ودخانأ ومصابيح وبيوتا تحترق ومدائن تلتهب بالنار ونحو ذلك وما أشبهه، والغالب على من كان مزاجه البلغم أن يرى بحورا وأنهارا وعيونا وأحواضا وغمرانا ومياهأ كثيرة وأمواجا، ويرى كأنه يسبح أو يصيد سمكا ونحو ذلك وما قاربه، والغالب على من كان مزاجه السوداء أن يرى في من أمه أجداثا وقبورا وأمواتا مكفنين بسواد وبكاء ونوحا ورنينأ وصراخأ وأشياء مفزعة وامورا مفظعة وفيلة وأسودا، والغالب على من كان مزاجه الدم أن يرى خمرا ونبيذا ورياحين ولعبا وقصفا وعزفا وأنواع الملاهي والرقص والسكر والفرح والسرور والثياب المصبغات من الحمرة وغيرها وما لحق بهذا الباب مما وصفنا من أنواع السرور.

ولا خلاف بين المتطببين في أن الضحك واللعب - على ما ذكرناه - من أنواع السرور من الدم، وأن كل حزن وخوف وإن اختلفت معانيه فإن ذلك من المرة السوداء، واحتجوا بضروب من الاحتجاجات؛ فهذه جملتها، وقد أوضحنا هذا في كتابنا الرؤيا والكمال وفي كتاب طب النفوس فلا وجه لإطنابنا في هذا الموضع من كتابنا هذا؛ إذ كان هذا الكتاب ؟كتاب خبر لا كتاب بحث ونظر.

وإنما تغلغل بنا الكلام - لما تشعب من مذاهبهم في إخبارنا عنهم، ولم نعرض في هذا الكتاب لما ذهبت إليه الناس في تحديد النفس، وما قاله أفلاطون في تحديد النفس إن النفس جوهر محرك للبدن، وما حده صاحب المنطق أن حد النفس كمال الجسم الطبيعي، وحدها من وجه اخر أنه حي بالقوة، ولا للفرق بين النفس والروح؛لأن الفرق بينهما أن الروح جسم والنفس لا جسم، وأن الروح يحويه البدن، وأن النفس لا يحويها البدن، وأن الروح إذا فارق البدن بطل والنفس تبطل أفعالها في البدن، ولا تبطل هي في ذاتها، والنفس تحرك البدن وتنيله الحس، وقد ذكر أفلاطون في كتاب السياسة المدنية نهر البستان وما يلحق الإنسان من صفات النفس الداخلة على النفس الناطقة، وذكر أفلاطون في كتابه إلى طيماوس، وفي كتاب فاردون، وكيفية مقتل سقراط الحكيم وما تكلم في ذلك في النفس والصورة.

وقد تكلم الناس في طبقات النفوس وصفاتها من أصحاب الأثنين وغيرهم من الفلاسفة، ثم تنازع أهل الإسلام في ماهية الإنسان الحساس الدراك المأمور المنهى، وما قالته المتصوفة وأصحاب المعارف والدعاوي في طبقات النفوس من النفس المطمئنة، والنفس اللوامة، والنفس الأمارة بالسوء، وغير ذلك مما ذهب إليه اليهود والنصارى والمجوس والصابئة، وغير ذلك مما قد أتينا على إيضاحه في كتاب سر الحياة وغيره من كتبنا.

سطيح وشق الكاهنان

وقد كان سطيح الكاهن - وهو ربيع بن ربيعه بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن بن غسان - يدرج سائر جسده كما يدرج الثوب، لا عظم فيه إلا جمجمة الرأس، وكانت إذا لمست باليد يلين عظمها، وكان شق بن مصعب بن شكران بن أترك بين قيس بن عنقر بن أنمار بن ربيعه بن نزار معه في عصر واحد، وكان فيهما جمرة الكهانة، وكذلك سملقة وزوبعة كانا في عصر واحد، والله أعلم.

ذكر جمل من أخبار الكهان وسيل العرم وتفرق الأزد في البلدان

السد وبانيه ومكانه

Bogga 239