Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar
مروج الذهب ومعادن الجوهر
وللناس كلام كثير في - الغيلان، والشياطين، والمردة، والجن، والقطرب، والغدار، وهو نوع من الأنواع المتشيطنة، يعرف بهذا الاسم، يظهر في أكناف اليمن والتهائم، وأعالي صعيد مصر، وأنه ربما يلحق الإنسان فينكحه فيتدود دبره فيموت،وربما يتوارى للإنسان فيذعره، فإذا أصاب الإنسان ذلك منه يقول له أهل تلك النواحي التي سمينا: أمنكوح هو أم مذعور؟ فإن قالوا منكوح يئس منه، وإن كان مذعورا أسكن روعه، وشجع مما ناله، وذلك أن الإنسان إذا عاين ذلك سقط مغشيا عليه، ومنهم من يظهر له ذلك فلا يكترث به لشهامة قلبه، وشجاعة نفسه، وما ذكرنا مشهور في البلاد التي سمينا، ويمكن جميع ما قلنا مما حكيناه عما ذكرنا من أهل هذه البقاع أن يكون ضربا من السوانح الفاسدة والخوأطر الرديئة، أو غير ذلك من الآفات والأدواء المعترضة لجنس الحيوان من الناطقين وغيرهم، والله أعلم بكيفية ذلك.
ولم نذكر في هذا الكتاب ما ذكره أهل الشرائع، وما ذكره أهل التواريخ والمصنفون لكتب البدو، كوهب بن منبه، وابن إسحاق، وغيرهما أن الله تعالى خلق الجان من نار السموم، وخلق منه زوجته، كما خلق حواء من آدم وأن بيضة من تلك البيض تفلقت عن قطربة، وهي: أم القطارب،وأن القطربة على صورة الهرة، وأن الأبالس من بيضة أخرى منهم الحارث أبو مرة، وأن مسكنهم البحور، وأن االمردة من بيضة أخري مسكنهم الجزائر، وأن الغيلان من بيضة أخري، مسكنهم الخلوات والفلوات، وأن السعالي من بيضة أخري، سكنوا الحمامات والمزابل، وأن الهوام من بيضة أخري، سكنوا الهواء في صورة الحيات ذوات أجنحة يطيرون هنالك، وأن من بيضة أخرى الدواسق، وأن من بيضة أخرى الحماميص - لأنا قد ذكرنا ذلك فيما سلف من كتبنا، وتقدم من تصنيفنا، وأتينا على ذكر ما تشعب من أنسابهم والمشهور من أسمائهم ومساكنهم من الأرض والبحار، وإن كان ما ذكره أهل الشرع مما وصفنا ممكنا غير ممتنع ولا واجب، وإن كان أهل النظر والبحث والمستعملون لقضية العقل أو الفحص يمتنعون مما ذكرناه، ويأبون ما وصفنا، والمصنف حاصب ليل، فأوردنا ما أقاله الناس من أهل الشرائع وغيرهم؛ إذ كان الواجب على كل في تصنيف أن يورد جميع ما قاله أهل الفرق في معنى ما ذكرناه، وأتينا أيضا على سائر ما خبرنا من الأشخاص التي هي غير مرئية من الجن والشياطين وما قالوه في سلوك الجن في الناس في كتابنا المترجم بكتاب المقالات، في أصول الديانات بالله التوفيق.
ذكر قول العرب في الهواتف والجان
قال المسعودي: فأما الهواتف فقد كانت كثرت في العرب، واتصلت بديارهم، وكان كثرها أيام مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي أولية مبعثه، ومن حكم الهواتف أن تهتف بصوت مسموع وجسم غير مرئي.
قولهم في الهواتف والجان
قال المسعودي: وقد تنازع الناس في الهواتف والجان: فذكر فريق منهم أن ما تذكره العرب وتنبىء به من ذلك إنما يعرض لها من قبل التوحد في القفار، والتفرد في الأودية، والسلوك في المهامة والمروراة الموحشة؛ لأن الإنسان إذا صار في مثل هذه الأماكن وتوحد تفكر، وإذا هو تفكر وجل وجبن، وإذا هو جبن داخلته الظنون الكاذبة، والأوهام المؤذية، والسوداوية الفاسدة، فصورت الأصوات، ومثلت له الأشخاص، وأوهمته المحال، بنحو ما يعرض لنوي الوسواس، وقطب ذلك وأسه سوء التفغير، وخروجه على غير نظام قوي، أو طريق مستقيم سليم؛ لأن المتفرد في القفار والمتوحد في المروراة مستشعر للمخاوف، متوهم للمتالف، متوقع للحتوف ؛ لقوة الظنون الفاسدة على فكره، وانغراسها في نفسه، فيتوهم ما يحكيه من هتف الهواتف به واعتراض الجان له.
بين شق وعلقمة بن صفوان
وقد كانت العرب قبل ظهور الإسلام تقول: إن من الجن من هو على صورة نصف الإنسان، وأنه كان يظهر لها في أسفارها وحين خلواتها وتسمية شقا.
وذكروا عن علقمة بن صفوان بن أمية بن محرب الكناني جد مروان بن الحكم ل أمه أنه خرج في بعض الليالي يريد مالا له بمكة، فانتهى إلى الموضع المعروف إلى هذا الوقت بحائط حرمان؛ فإذا هو بشق قد ظهر له في أوصاف ذكرها فقال شق:
علقم إني مقتول ... وإن لحمي مأكول
أضربهم بالمسلول ... ضرب غلام مشمول
رحب الزراع بهلول
فقال علقمة: شق، مالي ولك ... اغمد عني منصلك
Bogga 232