Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar
مروج الذهب ومعادن الجوهر
للعرب في الغيلان وتغولها أخبار طريفة. العرب يزعمون أن الغول يتغول لهم في الخلوات، ويظهر لخواصهم في أنواع من الصور، فيخاطبونها، وربما ضيفوها، وقد أكثروا من ذلك في أشعارهم: فمنها قول تأبط شرأ:
وأدهم قد جبت جلبابه ... كما آجتابت الكاعب الخيعلا
على إثر نار ينور بها ... فبت لها مدبرا مقبلا
فأصبحت والغول لي جارة ... فياجارتي أنت ما أهول
وطالبتها بضعها فالتوت ... بوجه تغول فاستغولا
فمن كان يسأل عن جارتي ... فإن لها باللوى منزلا
ويزعمون أن رجليها رجلا عنز، وكانوا إذا اعترضتهم الغول في الفيافي يرتجزون ويقولون:
يارجل عنز آنهقي نيقا ... لن نترك السبسب والطريقا
الغول تتلون وتضلل
وذلك أنها كانت تتراءى لهم في الليالي وأوقات الخلوات، فيتوهمون أنها إنسان فيتبعونها، فتزيلهم عن الطريق التي هم عليها، وتتيههم. وكان ذلك قد اشتهر عندهم وعرفوه، فلم يكونوا يزولون عما كانوا عليه من القصد فإذا صيح بها على ما وصفنا شردت عنهم في بطون الأودية ورؤوس الجبال.
وقد ذكر جماعة من الصحابة ذلك: منهم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه أنه شاهد ذلك في بعض أسفاره إلى الشام، وأن الغول كانت تتغول له، وأنه ضر بها بسيفه، وذلك قبل ظهور الإسلام، وهذا مشهور عندهم في أخبارهم.
رأي الفلاسفة
وقد حكي عن بعض المتفلسفين أن الغول حيوان شاذ من جنس الحيوان مشوه لم تحكمه الطبيعة، وأنه لما خرج منفردا في نفسه وهيئته توحش من مسكنه، فطلب القفار، وهو يناسب الإنسان والحيوان البهيمي في الشكل، وقد ذهبت طائفة من الهند إلى أن ذلك إنما يظهر من فعل ما كان غائبا من الكواكب عند طلوعها، مثل الكوكب المعروف بكلب الجبار، وهي: الشعرى االعبور، وأن ذلك يحدث داء في الكلاب، وسهيل في الحمل والذئب في الدب وحامل رأس الغول يحدث عند طلوعه تماثيل وأشخاص تظهر في الصحاري، وغيرها من العامر والخرائب، فتسمية عوام الناس غولا، وهي ثمانية وأربعون كوكبا، وقد ذكرها بطليموس وغيره ممن تقدم وتأخر، وقد وصف ذلك أبو معشر في كتابه المعروف بالمدخل الكبير إلى علم النجوم وذكر كيفية صورة كل كوكب عند ظهوره في أنواع مختلفة.
وزعمت طائفة من الناس أن الغول اسم لكل شيء يعرض للسفار، ويتمثل في ضروب من الصور، ذكرا كان أو أنثى، إلا أن اكثر هم كل أمه م على أنه أنثى، وقد قال أبو المطراب، عبيد بن أيوب العنبري:
وحالفني الوحوش على الوفاء ... وتحت عهودهن وبا البعاد
وغولا قفرة ذكرا وأنثى ... كأن عليهما قطع النجاد
وقال آخر وهو كعب بن زهير الصحابي:
فما تحوم على حال تكون بها ... كما تلؤن في أثوابها الغول
وقد قدمنا ذكر ذلك فيما سلف من كتبنا في هذا المعنى، وأن كل كوكب من هذه يظهر في صورة مخالفة لما تقدمه من الصور يحدث في هذا العالم نوعا من الأفعال لم ينفرد يفعله غيره من الكواكب.
وكانت العرب قبل الإسلام تزعم أن الغيلان توقد بالليل النيران للعبث والتخيل، واختلال السا بلة، قال أبو المطراب:
فلله در الغول، أي رفيقة ... لصاحب قفر حالف وهو معبر
أرنت بلحن بعد لحن وأوقدت ... حوالي نيرانا تلوح وتزهر
قولهم في السعلاة
وقد فرقوا بين السعلاة والغول، قال عبيد بن أيوب:
وساخرة مني، ولو أن عينها ... رأت مارأت عيني من الهول جنت
أبيت بسعلاة وغول بقفرة ... إذا الليل وارى الجن فيه أرنت
وقد وصفها بعضهم، فقال:
وحافر العنز في ساق مدملجة ... وجفن عين خلاف الإنس بالطول
قولهم في الشياطين ونحوهم
Bogga 231