Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar

Al-Masuudi d. 346 AH
169

Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar

مروج الذهب ومعادن الجوهر

فصادفوا عنده من ربه حرسا ... فشدخوا روسهم شدخا بأحجار

وسنذكر فيما يرد من هذا الكتاب - عند ذكرنا لتفرق الناس ببابل - من أخبار ثمود جملا، وما كان من أمر الناس بأرض بابل وافتراق لغاتهم، وما قاله كل فريق منهم من الشعر، على حسب ما أعطاه الله من اللسان، وان كنا قد أتينا على شرح ذلك على الكمال فيما تقدم لنا من كتابنا أخبار الزمان و بالله التوفيق.

ذكر مكة وأخبارها وبناء البيت ومن تداوله من جرهم وغيرها وهذا لحق بهذا الباب

سكن إسماعيل وأمه بمكة

ولما أسكن إبراهيم ولده إسماعيل مكة مع أمه هاجر، واستودعهما خالقه على حسب ما أخبر الله عنه أنه أسكنه بواد غير في زرع، وكان موضع البيت ربوة حمراء - أمر إبراهيم هاجر أن تتخذ عليها عريشا يكون لها مسكنأ، وكان من ظمأ إسماعيل وخبر هاجر ما كان إلى أن أنبع الله لهما زمزم، وأقحط الشحر واليمن، فتفرق العماليق وجرهم في البلاد ومن مناك من بقايا عاد.

نزول العماليق معهما

فيممت العماليق نحو تهامة يطلبون الماء والمرعى والدار الخصيبة، عليهم السميدع بن هوبر بن لاوى بن قيطوربن كركر بن حيدان، فلما أمعنت بنو كركر في المسير - وقد عدمت الماء والمرعى، واشتد بها الجهد - أقبل السميدع بن هوبر يحثهم على السير في شعر له ويشجعهم بما قد نزل بهم، وهو:

سيروا بني الكركر في البلاد ... إني أرى ذا الدهر في فساد

قد سأر من قحطان في الرشاد ... خرهم لما هدها التعادي

فأشرف روادهم - وهم المتقدمون منهم لطلب الماء - على الوادي، فنظروا الطير ترتفع وتنخفض، فهبطوا الوادي ونظروا إلى العريش على الربوة الحمراء، وفيها هاجر وإسماعيل، وقد زمت حول الماء بالأحجار ومنعته من الجريان، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله أمنا هاجر، لولا أنها بخلت ومنعت ماء زمزم من أن يجري بما حؤطت حوله من الأحجار لجري الماء على وجه الأرض. فسلم الرؤاد عنيها، واستأذنوها في نزولهم وشربهم من الماء، فأنست إليهم، وأذنت لهم في النزول، فتلقوا من كان وراءهم من أهليهم، وأخبروهم خبر الماء، فنزلوا الوادي مطمئنين، مستبشرين بالماء، وبما أضاء الوادى من نور النبوة وموضع البيت الحرام، فرحين، وعيل إسماعيل، وتكلم إسماعيل بالعربية خلاف لغة أبيه.

وقد ذكرنا في هذا الكتاب وغيره ما قاله الناس في ذلك من قحطان ونزار وتزوج إسماعيل بالجداء بنت سعد العملاقي.

زيارة إبراهيم الأولى لابنه

وقد كان إبراهيم استأذن سارة في زيارة إسماعيل، فأذنت له، فوافى مكة وإسماعيل في الصيد والرعي ومعه أمه هاجر، فسلم على الجداء بنت سعد زوجة إسماعيل، فلم ترد عليه السلام، فقال: هل من منزل؟ فقالت: لا ها الله، قال: فما يفعل رب البيت؛ قالت: هو غائب، فقال لها: إذا ورد فأخبريه أن إبراهيم يقول لك بعد مسألته عنك وعن أمك: استبدل بعتبة بيتك غيرها، وانصرف إبراهيم من فوره نحو الشام، وراح إسماعيل وهاجر، فنظر إلى الوادي قد أشرق وأنار، والغنام تتنسم الآثار، فقال لزوجته الجداء: هل كان لك بعدي من خبر؛ قالت: نعم، شيخ ورد علي ، وأخبرته بالقصة، فقال: ذاك أبي خليل الرحمن، وقد أمرني بتخليك، فالحقي بأهلك، فلا خير فيك.

نزول جرهم مكة

وتسامعت جرهم ببني كركر ونزولهم الوادي، وما هم فيه من الخصب وإدرار الضرع، وهم في حال القحط، فبادروا نحو مكة، وعليهم الحارث بن مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن ظالم بن هيني بن نبت بن جرهم، حتى أتوا الواعي، ونزلوا مكة، واستوطنوها مع إسماعيل ومن تقدمهم من العماليقه من بني كركر، وقد قيل في بني كركر: إنهم من العماليق، وقيل: انهم من جرهم، والأشهر أنهم من العماليق، وتزوج إسماعيل زوجته الثانية، وهي سامة بنت مهلهل بن سعد بن عوف بن هيني بن نبت.

زيارة إبراهيم الثانية

Bogga 187