Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar

Al-Masuudi d. 346 AH
168

Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar

مروج الذهب ومعادن الجوهر

وبعث الله صالحا نبيا وهو غلام حدث لثمود على حين فترة كانت بينه وبين هود نحو من مائة سنة، فدعاهم إلى الله، وملكهم يومئذ هو جند ابن عمرو على ما ذكرنا، فلم يجب صالحا من قومه إلا نفر يسير، وكبر صالح، ولم يزد قومه من الإيمان إلا بعدا، فلما تواتر عليهم أعذاره وإنذاره ووعده ساموه المعجزات، وإظهار العلامات، ليمنعوه من دعائهم، وليعجزوه عن خطابهم، فحضر عيدا لهم، وقد أظهروا أوثانهم، وكان القوم أصحاب إبل، فساموه الآية من جنس أموالهم، وطالبوه بما هو مجإنس لأملاكهم، وذلك من بعد اتفاق آرائهم فقال له زعيم من زعمائهم: يا صالح، إن كنت صادقا في قولك، وأنك معبر عن ربك، فأظهر لنا من هذه الصخرة ناقة، ولتكن وبراء سوداء عشراء نتوجا حالكة صافيه اللون ذات عرف وناصية وشعر ووبر، فاستغاث بربه، فتحركت الصخر وتململت، وبدا منها حنين وأنين، ثم انصدعت من بعد تمخض شديد كتمخض المرأة حين الولادة ، وظهر منها ناقة على ما طلبوه من الصفة، ثم تلاها من الصخرة سقب لها نحوها في الوصف، فأمعنا في رعي الكلأ وطلب الماء والمرعى، فآمن خلق ممن حضره، وزعيمهم الذي سأله وهو جندع بن عمرو، وأقامت الناقة يحلبون من لبنها ما يعم شربه ثمودا كلها، وضايقتهم في الكلأ والماء، وكان في ثمود مرآتان ذواتا حسن وجمال، فزارهما رجلان من ثمود، وهما قدار بن سالف، ومصدع بن مفرج، والمرأتان عنيزة بنت غنم، وصدوف بنت المجبا، فقالت صدوف: لو كان أنا في هذا اليوم ماء لأسقينا كما خمرا، وهذا يوم الناقة ووردها إلى الماء، لا سبيل لنا إلى الشرب، فقالت عنيزة: بلى والله لو أن لنا رجالا لكفونا إياها، وهل هي إلا بعير من الإبل؛ فقال قدار: ياصدوف، إن أنا كفيتك أمر الناقة فمالي عندك؟؛ فقالت: نفسي، وهل حائل دونها عنك؟. فأجابت الأخرى صاحبها بنحو ذلك، فقالا: ميلا علينا بالخمر، فشربا حتى توسطا السكر، ثم خرجا فاستغويا، تسعة رهط، وهم التسعة الذين أخبر الله تعالى عنهم في كتابه بقوله: " وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون " وقصحوا طريق - الناقة في حال صدورها، فضرب قدار عرقوبها بالسيف، فعرقبها، وأتبع صاحبه الأخر العرقوب الأخر بسهمه، فخرت الناقة لوجهها، ووجا قدار لبتها فنحرها، ولاذ السقب بصخرة فلحقه بعضهم فعقره وفرقوا لحم الناقة، وورد صالح فنظر إلى ما فعلوه، فوعدهم العذاب، و كان ذلك في يوم الأربعاء، فقالوا له مستهزئين: يا صالح، متى يكون ما وعدتنا به من العذاب عن ربك؛ فقال: تصبح وجوهكم يوم مؤنس - وهو يوم الخميس - مصفرة، ويوم العروبة محمرة، ويوم شيار مسودة، ثم يصبحكم العذاب يوم أول، وسنذكر فيما يرد من هذا الكتاب أسماء الشهور والأيام بلغتهم، فهم التسعة بقتل صالح، وقالوا: إن كان صادقا كنا قد عاجلناه قبل إذ يعاجلنا، وإن كان كاذبا كنا قد ألحقناه بناقته، فأتوه ليلا، فحالت الملائكة بينهم وبينه، وأمطرتهم الحجارة، ومنعه الله منهم، فلما أصبحوا نظروا إلى وجوههم كما وعدهم صفراء كأنها الورس : قد حالت الألوان، وتغيرت الأجسام، وتيقن القوم صدق الوعيد وأن العذاب واقع بهم، وخرج صالح في ليلة الأحد من بين ظهرانيهم مع من خف من المؤمنين، فنزل موضع مدينة الرملة من بلاد فلسطين، وأتاهم العذاب يوم الأحد، وفيهم يقول بعض من آمن بصالح عليه السلام:

أراكم يارجال بني عتيد ... كأن وجوهكم طليت بورس

ويوم عروبة احمرت وجوه ... مصفرة، وناثوا يال مرس

ويوم شيار فاسود ت وجوه ... من الحيين قبل طلوع شمس

فلما كان أول في ضحاه ... أتتهم صيحة عمت بتعس

وفيهم يقول حباب بن عمرو، وكان ممن اعتزلهم من المؤمنين وبان عن ديارهم:

كانت ثمود ذوي عز ومكرمة ... ما إن يضام لهم في الناس من جار

لا يرهبون من الأعداء حولهم ... وقع السيوف، ولا نزعا بأوتار

فأهلكوا ناقة كانت لربهم ... قد أنفروها وكانوا غير أبرار

ناعوا قدارا ولحم السقب بينهم ... هل للعجول وهل للسقب من ثار لم يرعيا صالحا في عقر ناقته ... وأخفروا العهد هذبا أي إخفار

Bogga 186