Hordhac u Dirasadda Suugaanta Carabta
مقدمة لدراسة بلاغة العرب
Noocyada
Dante (1265-1321)، وبترارك
(1304-1374) الشاعران الإيطاليان الشهيران، واشتهرا بالنقد اللغوي، وهما أول من فك القيود القديمة عن النقد الأدبي، وكان النقد عندهم يقرب جدا من النقد عند العرب في كتب البلاغة وآراء الأدباء، بناء على ما كانوا يشعرون به من قراءة الشعر والنثر، ولعلهم أخذوه من العرب، كما أخذ الفرنسيون منهم كثيرا من أوزان الشعر وطرقه، أو أن هذه من الأطوار الأولى التي لم يتخطها النقد الأدبي عند العرب.
وأول حركة للنقد الصحيح في فرنسا ظهرت في عصر النهضة، عندما اختلط الفرنسيون بالإيطاليين أثناء الحروب الكثيرة، وقلدوهم في شعرهم، وعرفوا منهم أساليب الآداب القديمة وطرق بلاغتها ، وانتشر عندهم تعليم اللغة اللاتينية، واطلعوا على كتبها وترجموا منها، فاتجهت عقولهم إلى الموازنة بين أدبهم الساذج والآداب القديمة، فكان الإيطاليون أول من كشف أسرار الآداب القديمة ومخبآتها، وأدرك مطابقتها للطبيعة الإنسانية وموافقتها للتعقل، وهم أيضا أول من وجه الأنظار إلى ربط الصلة بين الآداب والفنون الجميلة.
وفي أوائل القرن السادس عشر تألف مذهب نقدي جديد، كان على رأسه الشاعر الشهير رونسار
Ronsard (1524-1585) أحد كبراء الأشراف، واجتمع حوله جماعة الأدباء من علية القوم ونبلائهم، وزجوا بالأدب في طريق «أرستقراطي»؛ فلم يلاحظوا ذوق الشعب ولا حالته العقلية، بل لاحظوا أذواق الأشراف والكبار من عواطف وإحساسات وأفكار وغيرها.
وكان أساس هذا المذهب تقليد البلاغة القديمة، وما بها من البراعة وجمال الصناعة والإتقان. وارتقت في هذا الزمن منزلة الشعر والشعراء، وعظم تبجيل الناس لهم؛ لأن الشعر كان جمال القول وموضع مظاهر الذكاء، وكان الشاعر أقوى وأبرع إنسان، كما كانت الحال عند العرب في بعض الأزمان. وانفتح أمام الأدباء باب الموازنة بين الشعر القديم وبلاغة القرون الوسطى في فرنسا، وأعجب الناس أيما إعجاب بالبلاغة القديمة، وأخذوا في تقليدها. ولم يعد الإنسان يحكم على الشعر والشعراء إلا بواسطة الموازنة بين القديم والجديد، وبني النقد على مجاراة تلك البلاغة؛ لأنهم رأوا أن بلاغة القدماء متينة من جهة الصناعة، ومن جهة الموضوعات، ومن جهة ما فيها من تصوير النفوس الإنسانية ورسم الحياة؛ لأنها تصور الحقائق كما هي، ولأنها مبنية على الفكر والتعقل.
لهذا اشتدت رغبة الفرنسويين في تقليدها، وأسسوا لذلك القواعد، وبنوا طريقة النقد عليها، فكانت هي نموذج البلاغة ونموذج الأفكار، وربما فاق هذا التقليد والإعجاب تقليد المسلمين وإعجابهم بالشعر الجاهلي، ولا يزال أهل أوروبا في تعصبهم لليونان والرومان إلى اليوم، ولكنهم يقلدونهم في لب الموضوعات، وفي أن البلاغة يجب أن تمثل حياة الأمم ونفوس الأشخاص، لا أنهم يجارونهم في الألفاظ والعبارات لا غير. وكان مذهب رونسار مبنيا - كما قلنا - على ذوق «أرستقراطي»؛ بحيث تكون البلاغة من شعر ونثر شريفة العبارة، لا تحتوي على ألفاظ مقذعة، ولا على شيء من المجون ، وأن يتحاشى الكتاب والشعراء كل ما يخرج عن حد الأدب، أو ما يدعو إلى سوء الأخلاق، وظهر أثر هذا المذهب في كل أنواع البلاغة الفرنسية، خصوصا في التمثيل، ثم شيد الفرنسيون على أنقاض هذه الآداب والبلاغة القديمة آدابهم وبلاغتهم لإعجابهم بها إعجابا شديدا. ولكنها لم تخمد منهم قوة الابتكار، ولا حب الانتقال من حال إلى حال؛ لأنها بلاغة اجتماعية متينة ممتعة، بل هذبت من أفكارهم، ورقت منهم ملكة الصناعة الأدبية، وعلمتهم دقيق الملاحظة، وهذبت من استعدادهم الفطري، وتخرج فيها أشهر الكتاب والشعراء، ولا تزال أشهر وأمتع البلاغات؛ لأنها بلاغة نفسية اجتماعية، بليغة في معناها أكثر منها في ألفاظها وأساليبها، ولا يزال أشهر الكتاب الآن يستمدون أفكارهم وتربية عقولهم من هذه البلاغات القديمة المتينة.
ذلك أثر اطلاع الفرنسيين على الآدب القديم، وأثر احتكاك العقول والأفكار كما يقولون، وأثر مذهب رونسار في النقد؛ وهكذا يجب أن تكون قوة النقد. كل هذه الحركة جاءت من الخارج بواسطة الاطلاع على بلاغات الأمم الأخرى، والميل إلى تقليد اليونان والرومان، والمتأمل في بلاغات الأمم يرى أن كل حركة من الحركات الأدبية الكبرى ذات الأثر العظيم، هبت ريحها من الخارج بسبب تقابل الأفكار وتفاهمها ... ولم يظهر أثر النقد في أمة من الأمم ظهوره في بلاغة الأمة الفرنسية، ويمكن أن يعد تاريخ النقد الأدبي عند الفرنسيين من أهم ما يكون في أنواعه؛ لذلك اخترنا أن ندرسه في محاضراتنا، ونذكر ما به من المذاهب التي نهضت ببلاغة الفرنسيين فجعلتها أجمل وأمتع من غيرها.
نذكر من بين النقاد الكبار، بل من أوائل النقاد الشاعر الناقد بوالو
Boileau ، الذي عاش من سنة 1636 إلى سنة 1711، ويعتبر عند الفرنسيين أول من كتب في النقد، كما أن القرن السابع عشر هو أول القرون في نقد الفنون والأدب. وقد بسط بوالو مذهبه في كتابه «الفنون الشعرية»، وظهر هو وكتاب «الهجاء»
Bog aan la aqoon