Hordhac u Dirasadda Suugaanta Carabta
مقدمة لدراسة بلاغة العرب
Noocyada
6
لسنا الآن في موقف يسمح لنا أن نشرح هذه البلاغة العامة أو الاجتماعية شرحا وافيا، ولكنا أردنا أن ندل عليها دلالة إجمالية؛ ليتبين الفرق بين البلاغتين. وليس لنا ولا لإنسان أن ينكر أن هذا النوع من البلاغة لا يوجد عند العرب وجوده في بلاغات الأمم الأخرى. أجل، إن الحكم والمواعظ تملأ أشعار العرب. ولكن هذا النوع من البلاغة النفسية
7 (بسكلوجية) لا تكاد توجد عند العرب، وإن وجدت فهي قليلة نادرة ندور وجود الشعر القصصي؛ لأن «تحليل» نفس من النفوس الإنسانية لا يكون، ولا يمكن أن يكون، إلا في القصص الطويلة التامة. والشعر العربي لا يعرف القصص الطوال، وإن وجدت قصيدة أو قصيدتان في ذلك فلا يصح أن يحكم به على الشعر العربي؛ لندورته. ويكفي في ذلك أن أصبح الغزل افتتاح كل قصيدة، كذكر الغرام ووصف الدمن، وبكاء الأطلال؛ حتى صار ذلك طابعا من طوابع الشعر العربي، وإن كان الشاعر لم يعشق عمره، ولم يتذوق للغرام معنى، ولو كان المقام لا يصح فيه ذكر العشق.
8
غير أن هذه هي طريقة الشعر العربي وذلك أسلوبه، فلا يعاب عليه ذلك، كما أن شعراء اليونان كانوا يبدءون شعرهم بمناجاة ربة الشعر؛ لأن هذا أثر يدل عليهم ويميزهم من غيرهم؛ كذلك الشعر العربي سواء بسواء.
ومهما يكن من شيء، فإنا إذا بحثنا في الشعر العربي عن قصص طويلة مستوفاة لا نجد لها أثرا، كما نجد ذلك عند جميع الأمم الأخرى، وقد قال بعض المستشرقين: إن العرب كجميع الأمم السامية لا يعرفون الشعر القصصي الطويل، وإنه من طبيعة السامي أن يختصر القول اختصارا، ويقصد إلى الحكمة فيضعها في كلمة أو كلمتين، ويعمد إلى الفكر الكبير فيسطره في بيت أو بيتين، وإنه من شروط الشعر عنده أن يشتمل كل بيت على معنى تام، ويكون قائما بذاته. قالوا: ولذلك كثرت الأمثال والحكم عندهم.
ولعل العرب في جاهليتهم لم تنضج عندهم صناعة الشعر نضجا كافيا. ومهما قيل من أن المعلقات لا يصح أن تكون من أوائل الشعر العربي؛ لما بها من الصناعة والإتقان - وذلك يستلزم أن يكون الشعر قد تخطى زمنا طويلا، وأدرك أطوارا مختلفة - فإنا لا نزال نرى فيها سذاجة ظاهرة، وصناعة أولية. وإذا جارينا بعض المستشرقين القائلين بأن كثيرا من الشعر الجاهلي دخيل، كانت السذاجة ممتدة في الصناعة الشعرية إلى ما بعد الإسلام. والحق أن طبيعة السامي غير طبيعة الأمم الأخرى من حيث الخيال والتصور، فقد سلك مسلكا آخر في طرق التعبير غير ما سلكه غيره، ولم يلتفت لمجاراة الأمم الأخرى في بلاغتهم، ولم يسمح له حب لغته والإعجاب بها، أن يقلدهم، أو أن يزيد شيئا لم يكن من مخترعاته، ولا من مميزات لغته؛ فاكتفى بما عنده وقنع بما في يده.
وتقسيم العرب للشعر لم يكن من حيث الأغراض العامة كما قسمناه، وإنما قسموه من جهة النوع، أو من جهة أغراض الشاعر نفسه: كالمدح والذم، والوصف والنسيب، إلى آخر ما هناك. وجاء النقاد فآثروا هذا التقسيم، ولم يفكروا في تقسيم آخر، كما فعل أهل أوروبا في تقسيم الشعر إلى: «أبيك» وإلى «ليريك» ... إلخ. بل كان تقسيمهم جزئيا لا كليا. وذهب بهم ذلك إلى البحث في البيت الواحد أو البيتين، وأكثروا من البحث في اللفظ والديباجة؛ فقسم ابن قتيبة في مقدمة كتابه «الشعر والشعراء» أنواع الشعر «إلى ما جاد لفظه ومعناه، وإلى ما جاد معناه وساء لفظه.» إلى آخر ما قال هناك. وذكر قدامة بن جعفر في كتابه «نقد الشعر» شيئا مثل هذا: كنعت اللفظ «بأن يكون سمحا، سهل مخرج الحروف من مواضعها، عليه رونق الفصاحة مع الخلو من البشاعة.» ونعت الوزن ثم نعت القوافي ... إلخ. وذكر «أن أغراض الشعراء وما هم عليه أكثر حوما، وعليه أشد روما، هو المديح والهجاء، والنسيب والمراثي، والوصف والتشبيه ...» وأخذ يذكر نعوت وشروط هذه المعاني، وكذلك قلده من جاء بعده. فسار الأدباء على هذا النحو، ولم يفتح النقاد بابا جديدا في الشعر، بل ألزموا الشعراء أن يقفوا أثر المتقدمين في موضوعاتهم وأساليبهم، وهذا من الأسباب في وقوف حركة البلاغة عند العرب. فإذا لم تحصل هناك أنواع جديدة، خصوصا في الشعر
9
فلأن المتأخرين اقتفوا أثر المتقدمين فلم يبتدعوا ولم يبحثوا للبلاغة نفسها، وإنما جعلوها وسيلة لا غاية.
Bog aan la aqoon