وَلَكِنَّك سلكت مَسْلَك أمثالك تحكي الشَّيْء بطرِيق الْإِلْزَام وَتقول أهل السّنة مَا لم يقولوه فاستنبطت من قَوْلهم لَا يجب عَلَيْهِ شَيْء وَلَا يقبح مِنْهُ شَيْء مَا ادعيت عَلَيْهِم أَي يفعل مَا هُوَ قَبِيح عنْدك
وَأَيْضًا فَأهل السّنة يَقُولُونَ بِإِثْبَات الْقدر ويصرحون بِأَنَّهُ مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَأَن الْهَدْي تفضل مِنْهُ
وَأَنْتُم تَقولُونَ إِنَّه يجب عَلَيْهِ أَن يفعل بِكُل عبد مَا تظنونه وَاجِبا عَلَيْهِ وَيحرم عَلَيْهِ ضد ذَلِك فأوجبتم عَلَيْهِ أَشْيَاء وحرمتهم عَلَيْهِ أَشْيَاء وَهُوَ لم يُوجِبهَا على نَفسه وَلَا علم وُجُوبهَا عَلَيْهِ بشرع وَلَا عقل
ثمَّ تحكون عَن من لم يُوجِبهَا أَنه يَقُول إِن الله يخل بِالْوَاجِبِ وَهَذَا تلبيس
وَأما قَوْلك ذَهَبُوا إِلَى أَنه لَا يفعل لغَرَض وَلَا لحكمة الْبَتَّةَ
فَيُقَال أما تَعْلِيل أَفعاله وَأَحْكَامه بالحكم فَفِيهِ قَولَانِ لِأَن السّنة وَالْغَالِب على الْعلمَاء عِنْد الْكَلَام فِي الْفِقْه التَّعْلِيل
وَأما فِي الْأُصُول فَمنهمْ من يُصَرح بِالتَّعْلِيلِ
وَأما الْغَرَض فالمعتزلة تصرح بِهِ وهم من الْقَائِلين بإمامة الشَّيْخَيْنِ
وَأما الْفُقَهَاء وَنَحْوهم فَهَذَا اللَّفْظ يشْعر عِنْدهم بِنَوْع من النَّقْص فَلَا يطلقونه فَإِن كثيرا من النَّاس إِذا قيل لَهُم فلَان لَهُ غَرَض أَو فعل لغَرَض أَرَادوا أَنه يفعل بهوى أَو مُرَاد مَذْمُوم وَالله منزه عَن ذَلِك
وَأما قَوْلك يفعل الظُّلم والعبث فَمَا قَالَ بهَا مُسلم تَعَالَى الله عَن ذَلِك
بل يَقُولُونَ خلق أَفعَال عباده إِذْ قَالَ ﴿هُوَ خَالق كل شَيْء﴾ الَّتِي هِيَ ظلم من فاعلها لَا هِيَ ظلم من خَالِقهَا كَمَا أَنه إِذا خلق عِبَادَتهم وحجهم وصومهم لم يكن هُوَ حَاجا وَلَا صَائِما وَلَا عابدا وَكَذَا إِذا خلق جوعهم لم يسم جائعا
فَالله تَعَالَى إِذا خلق فِي مَحل صفة أَو فعلا لم يَتَّصِف هُوَ بِتِلْكَ الصّفة وَلَا بذلك الْفِعْل وَلَو كَانَ كَذَلِك لَا تصف بِكُل مَا خلقه من الْأَعْرَاض
وَهنا زلت الْمُعْتَزلَة وأتباعهم الَّذين قَالُوا لَيْسَ لله كَلَام إِلَّا مَا خلقه فِي غَيره وَلَيْسَ لَهُ فعل إِلَّا مَا كَانَ مُنْفَصِلا عَنهُ
فَلَا يقوم بِهِ عِنْدهم لَا قَول وَلَا فعل بل جعلُوا كَلَامه الَّذِي
1 / 47