فأحيوا، وقد مات حاجب فخرج أصحابه إلى بلادهم، وارتحل عطارد بن حاجب إلى كسرى يطلب قوسه أبيه، فقال: ما أنت بالذي وضعها. فقال: أجل أيها الملك هو أبي، وقد هلك، وقد وفى له قومه، ووفى هو للملك. قال: ردوها عليه، وكساه حلة، فلما وفد إلى النبي ﵇ وهو رئيس وفد بني تميم أهداها إلى رسول الله ﷺ فلم يقبلها، وقال: لا أقبل زبد المشركين. فابتاعها منه الزبير بن باطا اليهودي بأربعة آلاف درهم.
وكان حاجب مشهورًا بالحلم وحسن الأدب. قال أبو عبيدة: وقف حاجب زرارة بباب
كسرى فاستأذن له عليه غلام من العرب كان يحجبه فقال كسرى سل هذا العربي من هو من العرب؟، فسأله فقال: رجل منها، ثم أذن له، فلما مثل بين يديه قال: من أنت؟؟ قال: سيد العرب. قال كسرى: ألم تزعم أنك منها؟
قال: وقفت بالباب وأنا رجل منها، لست بمتقدم لها، فلما وصلت إلى الملك وجاورته سدتها، فقال كسرى: احشوا فاه درا.
قال أبو اليقظان: كان ذو الرقيبة أسر حاجبًا في بعض حروبه، فلما رجع به إلى رحله وجد القد قد أثر في ذراعه فقال له: يا أبا عكرشة لو كنت أخبرتنا بما بلغ منك لقد وسعنا عليك. قال حاجب: إني خلقني ربي لا أشكو شيئًا، وفدى نفسه بأكثر مما فدى به معدي نفسه قط. قوم يقولون بألف بعير، فلولا الشعر ما لم يقيم لهذه الأفعال علم ولا رفع لها منار، ولدرست آثارها كما درس كثير لم يقيده الشعر، كالذي نسى من أفعال بنى حنفية، وعجل إذ لم يكن فيهم شعر، فدخلوا في جملة الحاملين عند كثير من الناس، هذا على ما كان لهم من الوقائع. وفيهم من المكارم.
1 / 52