وقد صرح صاحب هذا ١ المذهب –وهو أبو الفتح بن جني٢- بعدم اطراد هذا القسم٣ من الاشتقاق، فقال٤: "على أن هذا، وإن لم يطرد وينقَد في كل أصل، فالعذر فيه على كل حال٥ أبين منه في الأصل الواحد، من غير تقليب لشيء من حروفه. فإذا جاز أن يخرج بعض الأصل الواحد، من أن تنظمه٦ قضية الاشتقاق، كان فيما تقلبت أصوله عينه وفاؤه٧ ولامه أسهل، والمعذرة فيه أوضح". انتهى٨.
بل قد كان أبو بكر ٩ وغيره، ممن هو في طبقته، قد استسرفوا١٠ أبا إسحاق١١ –﵀ فيما تجشمه من قوة حشده، وضمه ما انتشر من المثل المتباينة إلى أصله، وإن كان جميع ذلك راجعًا إلى تركيب واحد. ورأوا أنه لا ينبغي أن يضم من ذلك إِلَّا ما كان الجمع بينه وبين أصله واضحًا جدًّا. فإن لم يكن وجه رجوع اللفظ إلى غيره بيِّنًا، بل التكلف فيه بادٍ، [وجب أن يدَّعى أنهما أصلان، وليس أحدهما مأخوذًا من الآخر] ١٢ نحو الجمع بين حمار وحُمرة، بأن يُدَّعى أن أصل هذا الاسم أن يقع على الوحشية منها، وأكثرها حُمر، ثم شبهت الأهلية بها، فوقع عليها الاسم. فإذا كان الأمر عندهم على ما ذكرت لك، مع اتفاق اللفظين في تركيب واحد، فما ظنك [٤أ] بهما، إذا تغايرا في التركيب؟
والاشتقاق الأصغر حده أكثر النحويين بأنه ١٣ "إنشاء فرع من أصل يدل عليه". نحو أحمر فإنه مُنشأ من الحمرة، وهي أصل له وفيه دلالة عليها. وهذا الحد ليس بعام للاشتقاق الأصغر؛ لأنه قد يقال: "هذا اللفظ مشتق من هذا"، من غير أن يكون أحدهما مُنشأ من الآخر. وذلك إذا
_________
١ سقط من م.
٢ سقط من م.
٣ سقط من م.
٤ الخصائص: ١: ١٢.
٥ الخصائص: فالعذر على كل حال فيه.
٦ م: يضمه.
٧ الخصائص: فاؤه وعينه.
٨ م: انتهاء.
٩ هو محمد بن سهل المعروف بابن السراج، أحد العلماء المذكورين بالأدب وعلم العربية. توفي سنة ٣١٦.
نزهة الألباء ص ٣١٢. وانظر الخصائص ١: ١٢.
١٠ ف: "استرفوا". وقد صوبت في الحاشية نقلًا عن خط الخفاف. وفي الحاشية أيضًا بقلم آخر: "استَركّوا" مفسرًا بما يلي: عدّه ركيكًا.
١١ وهو إبراهيم بن السري الزجاج شيخ أبي علي الفارسي. توفي سنة ٣١١. البلغة ص٥.
١٢ من م.
١٣ فوقها في ف: الاشتقاق صوغ تركيب من مادة، يدل عليها بزيادة.
1 / 40