145

Mukhtasar Zad Macad

مختصر زاد المعاد

Daabacaha

دار الريان للتراث

Lambarka Daabacaadda

الثانية

Sanadka Daabacaadda

١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م

Goobta Daabacaadda

القاهرة

فَفَارَقَتْهُمُ النُّصْرَةُ، فَصَرَفَهُمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ عُقُوبَةً وَابْتِلَاءً وتعريفا لهم بعاقبة المعصية، ثم أخبر بعفوه عنهم بعد ذلك. قيل للحسن: كيف عفا وقد سلّط عليهم أعداءهم؟ فقال: لولا عفوه لاستأصلهم، ولكن بعفوه دفع عنهم عدوهم بعد أن أجمعوا عَلَى اسْتِئْصَالِهِمْ. ثُمَّ ذَكَّرَهُمْ بِحَالِهِمْ وَقْتَ الْفِرَارِ مصعدين، أي: جادين في الهرب، أَوْ صَاعِدِينَ فِي الْجَبَلِ لَا يَلْوُونَ عَلَى نبيهم وأصحابهم، وَالرَّسُولُ يَدْعُوهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ: «إِلَى عِبَادِ اللَّهِ أنا رسول الله»، فأثابهم بهذا الفرار غمًا بعد غم: الفرار، وغم صرخة الشيطان بأن محمدا قُتل، وَقِيلَ: جَازَاكُمْ غَمًّا بِمَا غَمَمْتُمْ رَسُولَهُ بفراركم عنه، والأول أظهر لوجوه: الأول: قوله: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا﴾ [الحديد: ٢٣] إلى آخره، تنبيها عَلَى حِكْمَةِ هَذَا الْغَمِّ بَعْدَ الْغَمِّ، وَهُوَ نسيانهم الحزن على ما فاتهم من الظفر، وما أصابهم من الهزيمة، وهذا إنما يحصل بغم يَعْقُبُهُ غَمٌّ آخَرُ. الثَّانِي: أَنَّهُ مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ، فحصل غَمُّ فَوَاتِ الْغَنِيمَةِ، ثُمَّ أَعْقَبَهُ غَمُّ الْهَزِيمَةِ، ثم غم الجراح والقتل، ثم سماع قتل النبي، ثم ظهور العدو على الجبل، وَلَيْسَ الْمُرَادُ غَمَّيْنِ اثْنَيْنِ خَاصَّةً، بَلْ غَمًّا متتابعا لتمام الابتلاء. الثالث: أن قوله: بِغَمٍّ من تمام الصواب، لَا أَنَّهُ سَبَبُ جَزَاءِ الثَّوَابِ، وَالْمَعْنَى: أَثَابَكُمْ غَمًّا مُتَّصِلًا بِغَمٍّ جَزَاءً عَلَى مَا وَقَعَ من الهرب وإسلامهم النبي، وترك الاستجابة له، ومخالفته في لزوم المركز، وتنازعهم وفشلهم، وكل واحد يوجب غما يخصه، ومن لطفه بهم أنها من موجبات الطباع التي تمنع من النصرة المسقرة، فَقَيَّضَ لَهُمْ بِلُطْفِهِ أَسْبَابًا أَخْرَجَهَا مِنَ الْقُوَّةِ إِلَى الْفِعْلِ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا آثَارُهَا الْمَكْرُوهَةُ، فَعَلِمُوا أن التوبة منها، والاحتراز منها، ودفعها بأضدادها متعين، وربما صحت الأجساد بالعلل. ثم إنه سبحانه رحمهم، فغيّب عنهم الغم بالنعاس، وهو في الحرب علامة النصر، كما نزل يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُصِبْهُ فَهُوَ مِمَّنْ أَهَمَّتْهُ نَفْسُهُ لَا دِينُهُ وَلَا نَبِيُّهُ وَلَا أَصْحَابُهُ، وَأَنَّهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ. وفسر هذا الظن بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَنْصُرُ رَسُولَهُ، وَأَنَّ أَمْرَهُ سيضمحل، وفسر بظنهم أن ما أصابهم لم يكن بقدر الله، وَلَا حِكْمَةَ لَهُ فِيهِ، فَفُسِّرَ بِإِنْكَارِ الْحِكْمَةِ وإنكار القدر وإنكار إتمام دينه، وهذا هو ظن السوء الذي ظنه المشركون والمنافقون في (سورة الفتح)، وإنما كان هذا الظن ظن السوء

1 / 147