على عدالته» (١) وعلى هذا فلا يكون المرسل والمنقطع داخلين في تعريف الحسن أيضا، مع أن إطلاقه عليهما شائع عندهم حيث صرح فقهاؤهم بأن رواية زرارة (٢) في مفسد الحج إذا قضاه في عام آخر حسن، مع أنها منقطعة. ويطلقون لفظ الحسن على غير الممدوح (٣) حيث قال ابن المطهر الحلي: «طريق الفقيه إلى منذر بن جيفر حسن» (٤) مع أنه لم يمدحه أحد من هذه الفرقة.
وأما (الموثق) ويقال له «القوي» أيضا فكل ما دخل في طريقة من نص الأصحاب على توثيقه، مع فساد عقيدته وسلامة باقي الطريق عن الضعف. (٥) مع أنهم أطلقوا الموثق أيضا على طريق الضعيف، كالخبر الذي رواه السكوني (٦) عن أبي عبد الله عن أمير المؤمنين. (٧) وكذا أطلقوا القوي على رواية نوح بن دراج (٨) وناجية بن أبي عمارة الصيداوي (٩) وأحمد بن عبد الله جعفر الحميري (١٠)
مع أنهم إمامية ولكنهم ليسوا بممدوحين ولا مذمومين.
أما (الضعيف) فكل ما اشتمل طريقه على مجروح بالفسق ونحوه أو مجهول الحال. (١١)
واعلم أن العمل بالصحيح واجب عندهم اتفاقا، مع أنهم يروون بعض الأخبار الصحيحة ولا يعملون بموجبها، كما روى زرارة عن أبي جعفر قال: إن رسول الله ﷺ قال «أطعموا الجدة السدس ولم يفرض الله لها شيئا» (١٢) وهذا خبر موثق. وروى سعد بن أبي خلف (١٣) عن أبي الحسن الكاظم ﵇ قال: سألته عن بنات الابن والجدة فقال «للجدة السدس، والباقي لبنات الابن» (١٤) وهذا خبر صحيح عندهم، فهم يقولون ما لا يفعلون.
ثم اعلم أن أكثر علماء الشيعة كانوا يعملون سابقا بروايات أصحابهم بدون تحقيق وتفتيش، ولم يكن فيهم من يميز رجال الإسناد ولا من ألف كتابا في الحرج والتعديل، حتى صنف الكشي سنة أربعمائة تقريبا كتابا في أسماء الرجال وأحوال الرواة، وكان مختصرا جدا لم يزد الناظر فيه إلا تحيرا، لأنه أورد فيه أخبارا متعارضة في الحرج والتعديل ولم يمكنه ترجيح أحدها على الآخر. ثم تكلم الغضائري (١٥) في الضعفاء والنجاشي (١٦) وأبو جعفر الطوسي في الحرج وصنفوا فيه كتبا طويلة، ولكن أهملوا فيها توجيه التعارض بالمدح والقدح ولم يتيسر لهم ترجيح أحد الطرفين، ولهذا منع صاحب (الدراية) (١٧) تقليدهم في
_________
(١) ابن بابويه، معالم الدين: ص ٢١٥؛ الحر العاملي، الدراية: ص ٢١.
(٢) زرارة بن أعين الكوفي، كان يقول بإمامة عبد الله بن جعفر، مات سنة ١٤٨هـ. الفرق بين الفرق: ص ٥٢؛ منهاج السنة النبوية: ٢/ ٢٣٥؛ لسان الميزان: ٢/ ٤٧٣. وعده الكشي من أصحاب الإجماع الذين اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم وشهدوا لهم بالعلم وبأنه أفقههم. رجال الكشي: ص ١٥١؛ أعيان الشيعة: ٧/ ٤٧.
(٣) الحسن عندهم كما عرفه الداماد: «هو ما اتصل سنده إلى المعصوم ﵇ بإمامي ممدوح بلا معارضة ذمّ مقبول، من غير نصّ على عدالته في جميع مراتبه أو بعضها مع كون الباقي بصفة رجال الصحيح ... يطلق الحسن أيضا على ما لو كانت رواته متّصفين بوصف الحسن إلى واحد معيّن ثمّ يصير بعد ذلك ضعيفا أو مقطوعا أو مرسلا». الرواشح السماوية: ص ٤١؛ الوجيزة: ص ٥. والتعريف واضح التناقض ..
(٤) هو منذر بن جيفر العبدي، قال الخوئي: «إن المنذر بن جيفر لم يرد فيه توثيق ولا مدح ...»، ثم نقل عن الوحيد قوله «روى عنه الأجلة كصفوان وابن مغيرة، وأحمد بن عيسى». ورواية هؤلاء عنه لا يدل على عدالة ابن جيفر، وهذا ما أقر به الخوئي. معجم رجال الحديث: ١٩/ ٣٦١. ورغم ذلك فقد تلقى الإمامية رواية ابن جيفر بالقبول فذكره ابن داود في قسم الموثقين من كتابه: ص ٣٢٠.
(٥) عرفه الإمامية بقول العاملي: «الموثق: هو ما دخل في طريقه من ليس بإمامي، ولكنه منصوص على توثيقه بين الأصحاب». معالم الدين: ص ٢١٦.
(٦) هو إسماعيل بن أبي زياد الشهيري (السكوني)، قال النجاشي له كتاب، وروايته عند الإمامية عن الصادق، وقد جرحه ابن المطهر الحلي في خلاصته وقال: «كان عاميا»: ص ١٩٩؛ وينظر رجال النجاشي: ١/ ١٠٩؛ تنقيح المقال: ١/ ١٢٧. وترجم له أهل السنة قال ابن حجر: «سكن خراسان، قال يحيى بن معين: كذاب، وقال أبو حاتم: مجهول ... وقال الأزدي: كذاب خبيث». لسان الميزان: ١/ ٤٠٧؛ وينظر ميزان الاعتدال: ١/ ٣٨٧. وليس من الشيعة، بل تركوا حديثه لكذبه، وأقر الحلي بأنه كان عاميا أي من أهل السنة. لكن لأنه مجروح من قبل أهل السنة فهذا الأمر يكفي لتوثيقه عند الإمامية، قال محمد جواد النائيني في تعليقه على ترجمة هذا الرجل في رجال النجاشي: «ذكره الذهبي وغيره من العامة [أهل السنة] وطعنوا فيه مما يكشف عن كونه من أصحابنا الإمامية!!». رجال النجاشي: ١/ ١٠٩. فهنيئا لهم به!.
(٧) روى السكوني عن أبي عبد الله قال: «قال أمير المؤمنين بعثني رسول الله ﷺ فقال: يا علي لا تقاتلن أحدا حتى تدعوه، وايم الله لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت، ذلك ولاءه يا علي». أخرجها الكليني، الكافي: ٥/ ٢٨؛ الطوسي، تهذيب الأحكام: ٦/ ١٤١. فهذه الرواية تنطبق عليها شروط الموثق، لكن لم يعملوا بها، وعملوا بمن هو دونها.
(٨) هو نوح بن دراج النخعي مولاهم أبو محمد الكوفي القاضي، قال العجلي ضعيف الحديث، وقال الجوزفاني زائغ، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال النسائي: ضعيف متروك الحديث، وقال ابن حبان يروي الموضوعات عن الأثبات. ميزان الاعتدال: ٧/ ٥٢؛ تهذيب التهذيب: ١٠/ ٤٣٠. وعند الإمامية هو من أصحاب الصادق، وقال عنه النجاشي: «كان صحيح الاعتقاد» (رجال النجاشي: ١/ ٢٥٥)، واختلف الشيعة في كونه منهم أو من غيرهم، فوثقه ابن داود فذكره في القسم الأول، لكن قال عندي فيه توقف (رقم ٥٤٥١)، وعده الطوسي من العامة [أهل السنة] (عدة الأصول: ص ٣٧٩) في حين قال الخوئي: «إن الرجل شيعي صحيح الاعتقاد». معجم رجال الحديث: ٢٠/ ١٩٨.
(٩) ويسمى نجية، وهو عندهم من أصحاب الباقر أو الصادق، ذكره ابن داود في القسم الأول من خلاصته (رقم ١٥٩٥) وقال عنه ليس بمعروف الحال، وتبعه ابن المطهر في خلاصته: (ص ١٧٦). لذا أقر الخوئي بأن عمارة هذا مجهول الحال. معجم رجال الحديث: ٢٠/ ١٢٩.
(١٠) هو أحمد بن عبد الله بن جعفر بن الحسين بن جامع بن مالك الحميري، روى عن أبيه .. رجال النجاشي: ٢/ ٢٥٣، وذكره ابن داود في القسم الأول من كتابه (رقم ٨٧) وتبعه ابن المطهر الحلي في خلاصته (رقم ٣٨)، ولم يصرحا في كتابيهما بأي توثيق، ولذا قال الخوئي: «إن التصحيح الصادر من العلماء لا يثبت به الحسن فضلا عن الوثاقة»!. معجم رجال الحديث: ٢/ ١٤٧.
(١١) تعريفه عندهم: «هو ما لا يستجمع شروط الصحيح والحسن والموثّق والقوي بجرح جميع سلسلة سنده بالجوارح أو بالعقيدة مع عدم مدحه بالجوارح أو بهما معا أو جرح البعض بأحدهما أو بهما أو جرح البعض بأحد الأمرين وجرح البعض الآخر بالأمر الآخر أو بهما أو مع جرح بعض بالأمر الآخر وبعض آخر بهما معا». الداماد، الرواشح السماوية: ص ٤٣؛ بهاء الدين العاملي، الوجيزة: ص ٥.
(١٢) أخرجه الكليني، الكافي: ٧/ ١١٤؛ ابن بابويه، من لا يحضره الفقيه: ٤/ ٢٨٢؛ الطوسي، تهذيب الحكام: ٩/ ٣١١.
(١٣) الكوفي، مولى بني زهرة بن كلاب يعرف ب (الزام) قال النجاشي: كوفي ثقة روى عن الصادق والكاظم. رجال النجاشي: ١/ ٤٠٥؛ تنقيح المقال: ٢/ ١١.
(١٤) الطوسي، تهذيب الأحكام: ٩/ ٣١٦؛ الاستبصار: ٤/ ١٦٦.
(١٥) هو أحمد بن الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري، اشتهر كتابه في الرجال. كان معاصرا للطوسي. أمل الآمال: ٢/ ١٢؛ أعيان الشيعة: ٢/ ٥٦٥.
(١٦) هو أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد النجاشي الكوفي مصنف الإمامية المشهور، صاحب كتاب الرجال والموثق عندهم، مات سنة ٤٥٠هـ. روضات الجنات: ص ١٤٧؛ الذريعة: ٥/ ١٤٠.
(١٧) كتاب (الدراية في الحديث) لزين الدين العاملي. الذريعة: ٨/ ٥٦.
1 / 49