لا يعتبر عندهم كون الراوي إماميا في إطلاق الصحيح فقد أهملوا قيود التعريف كلها.
وأيضا قد حكموا بصحة حديث من دعا عليه المعصوم بقول أخزاه الله وقاتله الله، (١) أو لعنه (٢) أو حكم بفساد عقيدته أو أظهر البراءة منه. (٣) وحكموا أيضا بصحة روايات المشبهة والمجسمة ومن جوز البداء عليه تعالى، (٤) مع أن هذه الأمور كلها مكفرة، ورواية الكافر غير مقبولة فضلا عن صحتها، فالعدالة غير معتبرة عندهم وإن ذكروها في تعريف الصحيح، لأن الكافر لا يكون عدلا البتة.
وحكموا أيضا بصحة الحديث الذي وجدوه في الرقاع (٥) التى أظهرها ابن بابويه (٦) مدعيا أنها من الأئمة. ورووا عن الخطوط التي يزعمون أنها خطوط الأئمة ويرجحون هذا النوع على الروايات الصحيحة الإسناد عندهم. هذا حال حديثهم الصحيح الذي هو أقوى الأقسام الأخرى وأعلاها. (٧)
وأما (الحسن) فهو عندهم «ما اتصل رواته بواسطة إمامي ممدوح من غير نص
_________
(١) من هؤلاء هشام بن الحكم، وهو من مشاهير رواتهم. روى الطبرسي عن الحسن بن عبد الرحمن الحماني قال: «قلت لأبي إبراهيم ﵇: إن هشام بن الحكم زعم أن الله تعالى جسم ليس كمثله شئ، عالم سميع بصير قادر متكلم ناطق والكلام والقدرة والعلم يجري مجرى واحد، ليس شئ منها مخلوقا. فقال: قاتله الله أما علم أن الجسم محدود؟ والكلام غير المتكلم؟ معاذ الله وأبرء إلى الله من هذا القول. لا جسم، ولا صورة، ولا تحديد، وكل شئ سواه مخلوق ...» الاحتجاج: ص ٣٨٥.
(٢) كحال زرارة بن أعين الذي كذبه ولعنه الصادق وفق الروايات في كتب الشيعة الإمامية. روى الكشي عن زياد بن أبي الحلال قال: «قلت لأبي عبد الله ﵇ إن زرارة روى عنك في الاستطاعة شيئا فقبلناه منه وصدقناه وقد أحببت أن أعرضه عليك، فقال: هاته، فقلت: زعم أنه سألك عن قوله تعالى: ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا﴾ فقلت: من ملك زادا وراحلة، فقال: كل من ملك زادا وراحلة فهو مستطيع، وإن لم يحج، فقلت: نعم، فقال: ليس هكذا سألني ولا هكذا قلت، كذب والله كذب علي، لعن الله زرارة لعن الله زرارة، إنما قال لي من كان له زاد وراحلة فهو مستطيع قلت: وقد وجب عليه فهو مستطيع ...» رجال الكشي: ص ١٣٣؛ المجلسي، بحار الأنوار: ٤٥/ ٧١. فهؤلاء ثقات الرواة الذين أخذ عنهم الإمامية دينهم، كانوا يكذبون على الأئمة في حياتهم ويقولون عنهم ما لم يقولوا
(٣) مثال ذلك براءة موسى الكاظم من محمد بن بشير الكوفي، فقد روى الكشي عن علي بن أبي حمزة قال سمعت أبا الحسن موسى ﵇ يقول: «لعن الله محمد بن بشير وأذاقه حر الحديد، إنه يكذب علي، برأ الله منه وبرئت إلى الله منه، اللهم إني أبرأ إليك مما يدعي فيّ ابن بشير ...». رجال الكشي: ص ٤٨٢. لكن محمد بن بشير هذا ذكره النجاشي وقال عنه ثقة في رجال النجاشي: ٢/ ٢٣٦.
(٤) لأنهم أخذوا رواياتهم عن عدد من أصحاب تلك المقالات، فقد رووا عن شيطان الطاق وهشام بن سالم الجواليقي ومن تقدم ذكرهم.
(٥) ويسمونها (التوقيعات المقدسة) وهي كتب ادعوا أنها بخط الإمام المنتظر، وأول من أظهرها في مصنف مستقل عبد الله بن جعفر بن مالك القمي وهو من شيوخهم الوجهاء، مات بعد ٣٠٠هـ. رجال النجاشي: ٢/ ١٨؛ الذريعة: ٤/ ٥٠١.
(٦) كذا. والظاهر أنه يعني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، أبا الحسن، قال عنه النجاشي: «شيخ القميين في عصره ومتقدمهم وفقيههم وثقتهم»، ويعد من أصحاب التوقيعات الواردة من قبل (صاحب الزمان) إلى الشيعة، وهو آخرهم، مات في سنة ٣٢٨ أو ٣٢٩هـ. رجال النجاشي: ٢/ ٨٩. فوفاته هي نفسها التي ذكرها الآلوسي، وهو آخر أصحاب (التوقيعات) عندهم.
(٧) يشير الآلوسي إلى ترجيحات ابن بابويه القمي لهذه الرقع على أصح كتاب عنهم وهو الكافي للكليني، حيث قال ابن بابويه بعد أن أورد رواية من كتاب الكافي عن الصادق في باب (الرجل يوصي إلى رجلين) [الكافي: ٧/ ٤٧]: «لست أفتي بهذا الحديث، بل أفتي بما عندي بخط الحسن بن علي [الغائب المنتظر]، فلو صح الخبران لكان الواجب الأخذ بقول الأخير». من لا يحضره الفقيه: ٤/ ٢٠٣ وهو قول علمائهم، فوافقوا ابن بابويه في مذهبه بترك روايات الكليني إذا تعارضت مع الرقع، قال الخراساني: «إن ابن بابويه كثيرا ما يطرح الروايات المذكورة في الكافي اعتمادا على التوقيعات المقدسة ... وطرح الشيخ الطوسي لأحاديث الفقيه والكافي، وكذا السيد المرتضى وغيرهما أكثر من أن يحصى». الوافية في أصول الفقه: ص ٢٦٨.
1 / 48