يذكر مجددي كل مذهب على زعم أصحابه ومعتقدهم والله تعالى أعلم.
ومن مكائدهم أنهم يذكرون في كتب التواريخ حكايات موضوعة وخرافات شنيعة مما يؤيد عقائدهم الفاسدة ويروج مذاهبهم الكاسدة. فمن ذلك حكاية حليمة السعدية (١) مرضعة النبي ﷺ حيث قالوا: إنها قدمت على الحجاج الثقفي (٢) في العراق فقال لها الحجاج: جاء بك الله إلي وقد كنت أردت أن أكلفك بالحضور لأنتقم منك. فسألته حليمة عن السبب، فقال: سمعت أنك تفضلين عليا على أبي بكر وعمر، فأطرقت رأسها ساعة ثم رفعته وقالت: أيها الحجاج، والله إنى لا أفضله على أبي بكر وعمر وحدهما إذ أي كمال وفضل لهما!؟ بل أفضله على آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلاة والسلام. فاشتد إذ ذاك غضب الحجاج وقال: لئن لم تثبتي هذه الدعوى لأقطعنك إربا إربا لتكوني عبرة لمن يعتبر. فقالت حليمة: أصغ إلى مقالتي واسمع دليلي وحجتي. فقال لها الحجاج: فيم تفضلين عليا على آدم وقد خلقه الله تعالى بيده ونفخ فيه من روحه وأسكنه الجنة وأمر الملائكة بالسجود له وكرمه بانواع الكرامات؟ فقالت حليمة بما قال الله تعالى ﴿وعصى آدم ربه فغوى﴾ وقد وصف عليا وأثنى عليه في سورة «هل أتى» بقوله تعالى ﴿إنما وليكم الله ورسوله﴾ الآية، ولم يسبقه أحد بالتصديق في الصلاة حيث أعطي الفقير خاتمه وهو فيها. (٣)
فقال الحجاج صدقت، فبأي دليل تفضلين عليا على نوح؟ فقالت: لأن زوجة علي فاطمة البتول سيدة نساء العالمين بضعة خير الخلق أجمعين زوجت تحت سدرة المنتهى بشهادة الملائكة المكرمين وإخبار الروح الأمين، وزوجة نوح كانت كافرة كما نطق به القرآن! فقال الحجاج: بما تفضلين عليا على إبراهيم خليل الرحمن؟ فقالت: إن إبراهيم قال ﴿رب أرني كيف تحيي الموتى. قال أولم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي﴾ وقال علي على رءوس الأشهاد: لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا. (٤) ثم قالت سمعت رسول الله ﷺ وكان جالسا وحوله المؤمنون والمنافقون فقال: أيها المؤمنون قد وضع لي المنبر ليلة أسرى بي فجلست عليه وجاء أبي إبراهيم فصعد المنبر وجلس عليه دون درجة
_________
(١) كذا في الأصل، وفي كتب الإمامية: حرة بنت حليمة السعدية. لا ترجمة لها، لكن أمها - إن صح الخبر - حليمة السعدية مرضعة النبي ﷺ. الاستيعاب: ٤/ ١٨١٢؛ الإصابة: ٧/ ٥٨٤.
(٢) وسف بن عمر الثقفي المعروف بالحجاج، كان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء وفصاحة وبلاغة وتعظيم للقرآن، قال عنه الذهبي: «كان ظلوما جبارا ناصبيا خبيثا سفاكا للدماء»، ولي ولاية العراق عشرين سنة لبني أمية، مات سنة ١٢٧هـ. وفيات الأعيان: ٧/ ١٠١؛ سير أعلام النبلاء: ٤/ ٣٤٣.
(٣) إشارة إلى الأثر المروي عن عمار بن ياسر قال: «وقف على علي بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوع فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله ﷺ فأعلمه ذلك، فنزلت على النبي ﷺ هذه الآية: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) فقرأها رسول الله ﷺ ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه». أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط: ٦/ ٢١٨. وأخرجه الطبري عن السدي عن علي ﵁ في تفسيره: ٦/ ٢٢٨. وقال ابن كثير عن طرقه: «وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها». التفسير: ٢/ ٧٢ واستعرض الطرق ابن تيمية وبين أنها ضعيفة واهية ثم قال: «أجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علي بخصوصه وأن عليا لم يتصدق بخاتمه في الصلاة وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع». منهاج السنة النبوية: ٧/ ١١ ..
(٤) لم يخرجه أحد من أهل السنة بسند معتبر، لكن نسبها أبو نعيم إلى عبد الله بن سهل في الحلية: ١٠/ ٢٠٢؛ ونبه القاري إلى ذلك في المصنوع: ص ١٤٩؛ أما الشيعة الإمامية فينسبونها إلى علي ﵁ فأوردها عنه الرضي في نهج البلاغة (بشرح ابن حديد): ٧/ ١١٣، ثم نقلها أمثال المازندراني، في مناقب آل أبي طالب: ١/ ٣١٨؛ والخوارزمي، المناقب: ص ٣٧٦. ومن نقلها من متأخري علماء أهل السنة فإنما نقلوها لشهرتها بين الإمامية، كما فعل السندي في حاشيته على سنن النسائي: ٨/ ٩٦.
1 / 39