مبايعة الإمام عبد الرحمن بالخلافة في سنة 160 ه ( الموافق لسنة 776 م ) بويع الإمام عبد الرحمن ابن رستم بالخلافة فتولاها بما عهد فيه وعرف به من الهمة والنشاط والصبر على الشدائد وازهد في الدنيا والحكم بالكتاب والسنة ، فأقام الحدود وبالغ في الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر كما هو شأن الأئمة العادلين أولي الاستقامة في الدين والإخلاص للأمة فانتشر عدله وعم الرعية فضله وذاع في الآفاق صيته بما شمل المملكة من الأمن والعدل ، فتوافد الناس من كل حدب وسهل إلى الاحتماء بحماه والسكنى ببلد زانه عدله وأمنه وهما ضالة كل إنسان يطلب الحياة الهينة في هذه الدنيا . ولتأييده على إقامة العدل وتوطيد الإمامة وبث الراحة والطمأنينة أرسل إليه المشارقة إعانتين من وافر أموالهم كل منهما في وقت غير الآخر مع رسل أمناء لإبلاغهما والوقوف على الحالة التي عليها الإمام من حيث العدل والأمن والدين والاستقامة ، فأما الأولى فقبلها لأن الدولة لم تزل في دور التكوين والضعف فهي في حاجة ماسة إلى ما يأخذ بناصرها ويقوي دعائمها ، والمال قوام الأعمال . ولا حاجة إلى التنبيه بأن قبول الإعانة إنما كان بعد استشارة الإمام لذوي الرأي من رجاله لأن هذه القاعدة ( الشورى ) هي أساس الحكم وحجره الأساسي في مذهب الأباضية ، وقد عاد الرسل وألسنتهم تلهج بالثناء على سيرة الإمام من جميع نواحيها . وأما الإعانة الثانية فلم يقبلها واعتذر للرسل الذين جاؤا بها بأنه في غنى عنها نظرا لتوفر الدخل وكثرة الوارد على الخزينة من الأموال الناشئة عن الخصب العام واتساع رقعة العمران ونمو الخيرات . فشق على رسل المشرق أن يردوا المال بعدما لاقوا في سبيله من مشاق وأهوال وعبثا حاولوا إقناع الإمام بوجوب قبوله وكلما ألحوا عليه لم يجدهم ذلك لأنه في الواقع لم يأمر برده إلا بعد المشورة لأهل الحل والعقد ( 5).
Bogga 38